تمهيد
جاء في مطلع الآية الأولى من السورة الأولى في القرآن، وهي سورة العلق، أمر عظيم هو : ” إقرأ“.
وتبين السورة الثالثة منه أن الله ” علمّ بالقلم“ أي بما يُكتب به. وغالباً ما يتم وصف القرآن بأنه ”الكتاب“.
وأجمع المسلمون على وصف العصر السابق للإسلام بالجاهلية. أي أنه تمّ به الإنتقال عن حالة الجهل إلى حالة العلم الذي يتم تلقيه بطريقة القراءة والكتابة!
أما في العصر الحاضر وفي القانون!
فإن من حقنا أن نتساءل: هل نحن في عصر يمكن إعطاؤه وصف ”جاهلية القانون“ ؟
فإن القاعدة القانونية الاصلية التي لا نزاع عليها هي المساواة بين الناس أمام القانون عملاً بالمادة 7 من الدستور التي نصت على ما يلي:
” م7- كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم“.
فهل إنها تفترض معرفة كل الناس بالقانون حكماً؟ و هل أن الجهل بالقانون يعطل هذه القاعدة
و يشترط إعمالاً لشرط المساواة تحقق العلم به أولاً؟
أستعين في مكتبي بمجموعة للقوانين اللبنانية مؤلفة من 14 مجلداً وإلى جانبها ثلاثة مجلدات من القوانين العثمانية التي ما زالت سارية المفعول، ومنها مجلة الأحكام العدلية التي تؤلف تدويناً مختصراً للشريعة الإسلامية وتتألف مع شرحها من أربعة مجلدات. كما أستعين بمئات المجلدات المتضمنة إجتهاد المحاكم وآراء أساتذة القانون. وهناك مئات بل آلاف المراسيم والقرارات التنطيمية غير المنشورة!
فهل يمكن وصفي، انا المحامي و أستاذ القانون القديم وحامل الشهادات العليا في القانون، بأني أجهل القانون لأن العلم به يتطلب دوماً، سواء بقدر قليل أو كثير، الرجوع إلى النصوص والإجتهادات وآراء الأساتذة العلماء؟
وكيف يجوز إذن إفتراض ان الناس عموماً يعلمون القانون ولا يحق لهم التعذر بجهله لا سيّما أنه جاء في المادة 223 من قانون العقوبات:
” م 223- لا يمكن لأحد أن يتحجج بجهله الشريعة الجزائية!“
وأضافت:
” غير أنه يعدّ مانعاً للعقاب الجهل أو الغلط الواقع على شريعة مدنية او إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة!“
ولعل مهنة المحاماة كانت لهذا السبب!
فما هو دور المحامي؟
جاء في المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة:
” م1- المحاماة مهنة ينظمها هذا القانون وتهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق“.
وجاء في المادة 2 منه:
”م 2- تساهم المحاماة في تنفيذ الخدمة العامة …“
أي أن المحامي، الذي يجب أن يكون مؤهلاً لإبداء الراي القانوني والدفاع عن الحقوق، هو سبيل عامة الناس إلى العلم بالقانون والتعاطي معه إذا وجد نفسه امام المحاكم طرفاً في الدعوى التي وصفتها المادة 7 من قانون أصول المحاكمات المدنية (أ.م.م.) بالنص التالي:
” م7- الدعوى هي الحق الذي يعود لكل ذي مطلب بان يتقدم به إلى القضاء للحكم له بموضوعه. وهي بالنسبة إلى الخصم الحق بأن يدلي بأسباب دفاع أو بدفوع ترمي إلى دحض ذلك المطلب. ويكون حق الإدعاء وحق الدفاع لكل شخص طبيعي أو معنوي لبناني أو أجنبي“.
وما هو دور القاضي؟
عملاً بالمادة 4 أ.م.م. على القاضي، الذي، وبدوره، يجب أن يكون مؤهلاً، أن يحكم يتطبيق النص القانوني وعند إنتفائه بإعتماد المباديء العامة والعرف والإنصاف. وللتأكد من صحة تطبيق القاضي لهذا الواجب نصت المادة 537 أ.م.م. على ان الحكم يكون باطلاً إذا:
(أ) لم يتضمن خلاصة ما قدمه الخصوم في الدعوى من طلبات واسباب دفاع او دفوع.
(ب) لم يتضمن أسباباً.
(ج) لم يتضمن حلاً لكل المسائل المطروحة من الخصوم فيها مع بيان أسباب كل حلّ.
فإن كان دور المحامي هو اساسياً في الدفاع عن حقوق موكله عندما يكون وكيلاً في طرفاً من أطراف الدعوى فإن مهمة القاضي هي الفصل فيها عن طريق الحكم.
إلا انه ليس للقاضي أن يكتفي بما طرحه وكلاء الخصوم من آراء قانونية بل إن عليه أن يعطي رأيه بعد مراجعة كل النصوص التشريعية النافذة والأراء القانونية المتاحة، سواء تم الإدلاء بها أمامه أم لم يتمّ. وفي الحالة الأخيرة فإنه لا يجوز له إسناد حكمه إلى أسباب أدلى بها من تلقاء نفسه إلا إذا دعى الخصوم مسبقاً إلى تقديم ملاحظاتهم بشأنها. وهذا من صميم قاعدة الوجاهية.
فهل أن ما تقدم كافٍ لتمكين المحامين والقضاة من الخروج بأنفسهم وبالناس جميعاً من جاهلية القانون؟ ( يتبع)
إلى اللقاء و مع أطيب تحياتي.
المحامي محمد مغربي
( في 2/5/2024)