المحامي الدكتور محمد مغربي: لبنان يسقط في امتحان حكم القانون

تُصــــــــدر مؤسســــــة دوليــــــة غيــــــر حكوميــــة كبــــرى تدعـــــــى: المشـــــروع العالمـــــي للعــــدالـــــة World Justice Project فهرساً دورياً لحكم القانون Rule of Law Index يتضمن تصنيفاً لدول العالم بترتيب مقدار التزامهم بثمانية مؤشرات لحكم القانون. وشمل آخر فهرس صدر عن العامين 2017 و2018 مائة وثلاثة عشر دولة. وقد ساهم في إعداد كل من هذه الفهارس ما لا يقل عن الفي باحث وأكثر من مائة مؤسسة من مؤسسات استطلاع الرأي.

ويعرّف المشروع حكم القانون بأنه نظام يقوم على اربعة مبادئ كونية هي:

 

(1) وجوب المحاسبة طبقاً للقانون.

(2) كون القوانين واضحة وثابتة وعادلة ومنشورة وتُطبق بالمساواة وتحمي الحقوق الاساسية بما فيها سلامة الاشخاص والاموال وحقوق الانسان الجوهرية.

(3) الحكم المنفتح الذي يعني ان اجراءات تشريع القوانين وتطبيقها مفتوحة ومنصفة وفعالة.

(4) حل النزاعات بصورة مفتوحة وشفافة، مما يعني ان تحقيق العدالة يتم بسرعة عن طريق مسؤولين يتمتعون بالكفاءة والخلق والحياد ومن السهل الوصول اليهم ولديهم الامكانات الملائمة لمهامهم ويعبّرون عن مكونات الجماعات التي يخدمونها.

 

وقد وضع المشروع مؤشرات ثمانية لمدى قيام حكم القانون. وهي:

 

– المؤشر الاول: قيام حدود على صلاحيات الحكومة

(1) بالتشريع.

(2) عن طريق القضاء.

(3) عن طريق مسك الحسابات والمراقبة.

(4) معاقبة المسؤولين المسيئين.

(5) بالحواجز غير الحكومية التي يقيمها اصحاب الرأي والناشطون.

(6) بتداول السلطة بموجب القانون.

 

– المؤشر الثاني: غياب الفساد

(1) بعدم استعمال المناصب في السلطة التنفيذية لتحقيق ارباح شخصية.

(2) بعدم استعمال المناصب في السلطة القضائية لتحقيق ارباح شخصية.

(3) بعدم استعمال المناصب في الشرطة والجيش لتحقيق ارباح شخصية.

(4) بعدم استعمال المناصب في السلطة التشريعية لتحقيق ارباح شخصية.

 

– المؤشر الثالث: الحكومة المفتوحة

(1) نشر القوانين والمعلومات الحكومية.

(2) الحق في الوصول الى المعلومات.

(3) المشاركة المدنية.

(4) وسائل الشكوى.

– المؤشر الرابع: الحقوق السياسية

(1) المعاملة المتساوية وعدم التمييز.

(2) ضمان فعّال للحق في الحياة والسلامة.

(3) إتباع الاصول القانونية الصحيحة وحماية حقوق المدعى عليهم.

(4) ضمان حرية الرأي والقول.

(5) ضمان الحرية في العقيدة والدين.

(6) ضمان عدم التدخل الاعتباطي في الخصوصية.

(7) ضمان حرية التجمّع وتأليف الجمعيات.

(8) ضمان حقوق العمال.

 

– المؤشر الخامس: النظام والسلامة العامة

(1) الجريمة تحت السيطرة.

(2) وضع حدود للنزاعات المدنية.

(3) لا يجوز للناس اللجوء الى العنف من اجل استيفاء ما يتظلمون من اجله.

 

– المؤشر السادس: تطبيق الانظمة

(1) وضع الانظمة الحكومية قيد التطبيق بالفعل.

(2) خلو وضع وتطبيق الانظمة الحكومية من استعمال النفوذ.

(3) إتمام الاجراءات الادارية دون تأخير غير معقول.

(4) إتباع الاصول الواجبة في الاجراءات الادارية.

(5) عدم المصادرة خارج إطار الاجراءات القانونية وبمقابل تعويض كاف.

– المؤشر السابع: القضاء المدني

(1) بإمكان الناس الولوج اليه بكلفة يمكنهم تحملها.

(2) يخلو من التمييز.

(3) لا يوجد فيه فساد.

(4) يخلو من ممارسة للنفوذ الحكومي.

(5) لا يعاني من التأخير غير المعقول.

(6) يتم تنفيذه بصورة فعالة.

(7) يمكن الولوج خارجه الى وسائل بديلة وحيادية وفعالة لحل النزاعات.

 

– المؤشر الثامن: القضاء الجزائي

(1) نظام فعال للقضاء الجزائي.

(2) الاجراءات الجزائية فعالة وغير طويلة.

(3) نظام لإنزال العقاب ذو فعالية في تخفيض السلوك الاجرامي.

(4) نظام حيادي.

(5) نظام خال من الفساد.

(6) نظام يخلو من ممارسة النفوذ الحكومي.

(7) يراعي التطبيق الواجب والصحيح للقانون ولحقوق المدعى عليهم.

 

مركز لبنان في مؤشرات حكم القانون

يحدد كل مؤشر مدى التزام كل دولة بحكم القانون، وهو عبارة عن رقم من صفر الى واحد. وقد حصل لبنان على المركز العالمي رقم 87 بين 113 دولة بمعدل علامة 0،47. فجاء في المؤشر الاول (الحدود على صلاحيات الحكومة) في المركز 72 ونال علامة 0،49 وفي المؤشر الثاني (غياب الفساد) بالمركز 87 ونال علامة 0،39 وفي المؤشر الثالث (الحكومة المفتوحة) بالمركز 89 ونال علامة 0،44 وفي المؤشر الرابع (الحقوق السياسية) بالمركز 81 ونال علامة 0،49 وفي المؤشر الخامس (النظام والسلامة) بالمركز 82 ونال علامة 0،66 وفي المؤشر السادس (تطبيق الانظمة) بالمركز 86 ونال علامة 0،44 وفي المؤشر السابع (القضاء المدني) بالمركز 79 ونال علامة 0،47 وفي المؤشر الثامن (القضاء الجزائي) بالمركز 86 ونال علامة 0،37.

وقد حل لبنان سادساً بين سبع من دول الشرق الاوسط تناولها الفهرس وهي الامارات العربية المتحدة التي حلّت اولاً ومركزها العالمي 33، وتلتها الاردن ومركزها العالمي 42، وتونس ومركزها العالمي 54، والمغرب ومركزه العالمي 67، وايران ومركزها العالمي 80، وحلت مصر في المركز السابع والاخير بالمركز العالمي 110 من مجموع 113.

 

وقد احتلت المراكز الاولى الاربعة في ترتيب فهرس حكم القانون أربعة دول اسكندنافية، فحلت الدنمارك اولى بمعدل 0،89 والنرويج ثانية بذات المعدل، وفنلندا ثالثة بمعدل 0،87 والسويد رابعة بمعدل 0،86 وتلتها هولندا خامسة بمعدل 0،85 والمانيا سادسة بمعدل 0،83 أما في مؤشر القضاء المدني فقد حلت هولندا اولاً بمعدل 0،87 والدانمارك ثانية بمعدل 0،86 والمانيا ثالثة بمعدل 0،85 والنرويج رابعة بمعدل 0،85 وسنغافورة خامسة بمعدل 0،81 والسويد سادسة بمعدل 0،81 وفندلندا سابعة بمعدل 0،80. اما لجهة القضاء الجزائي فقد تصدرت فنلندا بمعدل 0،85 وحلت النرويج ثانية بمعدل 0،83 والدانمارك ثالثة بمعدل 0،82 والسويد رابعة بمعدل 0،80 وسنغافورة خامسة بمعدل 0،80 وهولندا سادسة بمعدل 0،80 والمانيا سابعة بمعدل 0،77.

 

وليس من قبيل الصدفة ان الدول التي تصدرت مؤشري القضاء المدني والقضاء الجزائي تحتل ذات الترتيب بين الدول الاعلى دخلاً في العالم نسبة لمعدل دخل الفرد فيها، وهي الدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد وهولندا والمانيا. أما سنغافورة، تلك الجزيرة الصغيرة، فإن ترتيبها لجهة الدخل الفردي هو الــ 13.

 

أي ان الدول الاكثر تقدماً لجهة دخل الفرد فيها هي ايضاً الدول الاكثر تقدماً في حكم القانون والاكثر قدرة على تحقيق العدالة عن طريق القضاء. نعم ليس هذا الامر من قبيل الصدف.

أما لبنان فهو واحد من الدول الــ 27 الادنى ترتيباً والاقل تقدماً في حكم القانون والاقل قدرة على تحقيق العدالة عن طريق القضاء. وهذا يعني حتماً ان التقدم الاقتصادي للجمهورية اللبنانية مرهون بتلبية الشروط الكفيلة بتعزيز حكم القانون عن طريق تطبيق شروط الترقي في المؤشرات الثمانية المنوه عنها وفي طليعتها مؤشرا القضاء المدني والقضاء الجزائي.

 

يخطيء من يظن ان المسألة في لبنان هي مسألة اصلاح. فإن المطلوب لا يقل عن اعادة بناء الجمهورية ومؤسساتها كافة بلا فساد وتحت حكم القانون. ولا شك ان فهرس حكم القانون مفيد للانارة على شروط اعادة البناء الخالية من الفساد كما يتبين من تحقيق النجاح في الترقي في سلم مؤشراته.

 

وإذا كان من غير السهل الارتقاء بحكم القانون في لبنان الى مستوى الدول الاسكندنافية، فلما لا يمكن الاتخاذ من سنغافورة الصغيرة مثالاً يحتذى ؟