تعليق على قرار محكمة الاستئناف في بيروت رقم 945 وتاريخ 2/7/2015 في تطبيق جزئي وخاطئ لقانون الايجارات الجديد

نشرت بعض الصحف خلاصة قرار صدر حديثا” عن الغرفة الحادية عشرة في محكمة الاستئناف في بيروت لأنه طبق قانون الايجارات الجديد في تحديد تعويض إخلاء مأجور بناء” لطلب إسترداد مقدم من المالك. وأنني أعلق على هذا القرار بعد ان حصلت على نصه الكامل المنشور على موقع محامون.نت.

نشرت بعض الصحف خلاصة قرار صدر حديثا” عن الغرفة الحادية عشرة في محكمة الاستئناف في بيروت لأنه طبق قانون الايجارات الجديد في تحديد تعويض إخلاء مأجور بناء” لطلب إسترداد مقدم من المالك. وأنني أعلق على هذا القرار بعد ان حصلت على نصه الكامل المنشور على موقع محامون.نت.

يحمل هذا القرار رقم 945 وتاريخ 2/7/2015. وهو صدر استئنافا” في دعوى تم تقديمها بداية في العام 2008 في ظل القانون 160/92 حيث طلبت مالكة شقة في المصيطبة تبلغ مساحتها 67 متر مربعا” إستردادها لأنها ترغب في نقل سكنها من بلدة قانا الى مدينة بيروت. وبعد ثلاث سنوات من تقديم الدعوى صدر حكم بها عن القاضي المنفرد في بيروت يحمل الرقم 1659/2011 وتاريخ 30/11/2011 وقضى هذا الحكم بإعطاء المستأجرة تعويض إسترداد قدره 82,075 دولار على اساس تقدير قيمة الشقة بمبلغ 167,500 دولار. لكن القرار الاستئنافي، وبمخالفة القانون، انتهى الى تحديد تعويض الاسترداد بمبلغ 33,500 دولار أي بما يعادل نسبة 40% من قيمة التعويض الذي حدده الحكم البدائي.

وبصرف النظر عن الاخطاء المادية التي تضمنها القرار الاستئنافي، مثل القول بأن قانون الايجارات الجديد قد تم نشره في ملحق الجريدة الرسمية العدد 374 تاريخ 19/8/2014، شابت هذا القرار أخطاء كثيرة منها الآتي:

1 – اعتبرت محكمة الاستئناف انه يدخل في صلاحية “ اللجنة ” التي نص عليها القانون الجديد “ تحديد بدل المثل ” واعتبرت نفسها مرجعا” صالحا” للحلول في هذا التحديد محل “ اللجنة ” التي ابطل المجلس الدستوري بعض المواد المتعلقة بها دون ان يمسّ البعض الآخر.

2 – لكن “ اللجنة ” لم تكن مرجعا” اصليا” صالحا” لتحديد “ بدل المثل ”، بل للفصل في الخلاف الذي يمكن ان ينشأ بين المؤجر والمستأجر عن تطبيق الأصول الالزامية التي وضعها القانون الجديد لتحديد “ بدل المثل ” بموجب المادة 18 منه هذه الاصول المرتبطة بالانتظام العام والتي تجاهلتها المحكمة، وهذه الاصول هي:

أولا”: خلال الاشهر الثلاث الاولى من نفاذ ها القانون على المؤجر والمستأجر تحديد بدل المثل رضاء” بالاتفاق.

ثانيا”: اذا لم يتم الاتفاق الرضائي خلال المهلة المذكورة، فإن للمؤجر الحق بأن يأخذ المبادرة بالاستعانة بخبيرين من قائمة الخبراء الرسميين المسجلين على ان يكون أحدهما مهندسا” مدنيا” أو معماريا” والثاني إختصاصيا” بالتخمين العقاري. وعلى هذين الخبيرين أن يقدرا “ بدل ايجار المثل ” استنادا” الى العناصر التي نصت عليها المادة 19 منه.

ثالثا”: على المؤجر تبليغ تقرير الخبيرين الى المستأجر بواسطة الكاتب العدل. وعلى المستأجر خلال شهرين من تبلغه إما الموافقة على هذا التقرير وإعتماده في تحديد “ بدل إيجار المثل ” او التقدم بتقرير مقابل أي مضاد بالاستعانة بخبيرين يتمتعان بذات الاهلية وابلاغ تقريرهما الى المؤجر خلال المهلة المذكورة تحت طائلة سقوط حقه في الاعتراض على تقرير خبيري المؤجر.

رابعا”: إذا اختلف التقريران فلأي من المؤجر أو المستأجر ان يلجأ الى “ اللجنة ” للفصل في النزاع بقرار معلل. وهذه هي الصلاحية التي اعتبرت محكمة الاستئناف انه يعود لها الحق بممارستها وهي صلاحية فصل النزاع الناتج عن اختلاف التقريرين لا صلاحية “ تحديد بدل المثل ”بصورة أصلية.

3 – وفي القضية الحاضرة فإن المؤجر لم يعرض على المستأجر اتفاقا” رضائيا” لتحديد بدل المثل خلال الثلاثة أشهر التي تلت نفاذ هذا القانون، ولم يعين خبيرين يحملان المؤهلات المطلوبة، ولم يضع الخبيران تقريرا” يقدر بدل المثل بموجب شروط المادة 19 من القانون، ولم يقم المؤجر بإبلاغ هذا التقرير الى المستأجر ليمارس حقه في تقديم تقرير مقابل. وكل ذلك هو مما لم يبطله المجلس الدستوري وما يزال قائما”. ولم ينشأ نزاع عن اختلاف التقريرين في تقدير“ بدل إيجار المثل ”.

4 – وقد اختصر المؤجر الطريق فقدم بطلب طارئ في المرحلة الاستئنافية من الدعوى ودون ان يكون تقيد بداية بأحكام المادتين 18 و19 من القانون الجديد الذي لم يكن موجودا”، فطلب من محكمة الاستئناف تطبيق القانون الجديد بمخالفة احكامه التي تتعلق بأصول تحديد بدل ايجار المثل. فكان على المحكمة ان ترد طلبه. لكنها أخطأت بأن لم تفعل ذلك.

5 – وناقضت محكمة الاستئناف نفسها بان قررت تطبيق المادة 22 من القانون الجديد الذي يحدد تعويض الاسترداد بأربعة أضعاف بدل الايجار المحتسب على اساس “ بدل المثل الذي جرى تحديده”، ولكنها لم تطبق اصول هذا التحديد التي نصت عليها المادتان 18 و19 منه ! واستنسبت الاخذ بما قرره القاضي المنفرد في الحكم البدائي المستأنف لجهة قيمة المأجور دون مراعاة عناصر المادة 19 فحددت تعويض الاسترداد بأربعة أضعاف نسبة ال 5 % من القيمة المذكورة كما حددتها هي بصورة أصلية، وتوصلت الى مبلغ 33,500 دولار الذي يعادل 40 % من المبلغ المحكوم به بداية قبل أكثر من سنتين من القانون الجديد.

6 – وتجاهلت المحكمة المادة 25 منه الذي أوجب على المالك في جميع حالات الاسترداد التي نص عليها القانون الجديد ان يعرض ويودع لدى الكاتب العدل التعويض المحدد بموجب هذا القانون وان يرفق بالعرض والايداع ما يثبت أنه تم تحديد بدل المثل رضاء” او بموجب الأصول المنوه عنها. وفي حال موافقة المستأجر على العرض والايداع يسلمه الكاتب العدل 90 % من المبلغ ويسدد الباقي لدى الاخلاء الفعلي ضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ قبضه المبلغ المذكور وإلا فإنه يصبح شاغلا” دون مسوغ مشروع وعرضة لغرامة اكراهية.

7 – كما تجاهلت محكمة الاستئناف واقع ان مواد القانون الجديد تشكل سلة متكاملة ومنها اللجنة التي يكون احد اعضائها ممثلا” للمستأجرين، والتي ابطلها المجلس الدستوري لا لتكوينها بل لأن قراراتها باتة وغير قابلة للطعن. فلا يسع محكمة الاستئناف احلال نفسها محل اللجنة دون ان يكون من اعضائها ممثل عن المستأجرين. ولا الأخذ ببعض مواد القانون في حين ان موادا” أخرى فيه معطّلة.

8 – ولم تأخذ المحكمة بقاعدة عدم رجعية القوانين. فإن النزاع نشأ في العام 2008 في ظل القانون 160/92 لكن المحكمة فصلته استئنافا” في العام 2015 بالاعتراف برجعية تطبيق مادة واحدة من مواد القانون الجديد وهي التي تحدد تعويض الاسترداد للضرورة العائلية.

9 – وهي حكمت بوجود ضرورة عائلية دون توافر أي عنصر من عناصرها. فان المؤجرة التي عاشت كل حياتها في قانا قررت فجأة الانتقال للسكن في بيروت. فأقرت لها المحكمة بان هذه الرغبة تؤلف ضرورة عائلية.

10 – وكان من اسباب ابطال المجلس الدستوري لمواد في قانون الايجارات ان منع الطعن بقرارات “اللجنة” يتعارض مع قاعدة اجراء المحاكمة على درجتين وهي قاعدة جوهرية وذات قيمة دستورية وتتعلق بالنظام العام. ويتبين جليا” من نص المادتين 18 و25 وسواهما في القانون الجديد وجوب القيام بإجراءات الزامية وسابقة للمحاكمة في الدرجة الاولى أو متقارنة معها. فيصبح الحكم الصادر في درجة المحاكمة الاولى بإستيفاء هذه الاجراءات قابلا” للطعن امام الدرجة الاعلى. لكن محكمة الاستئناف اجرت المحاكمة في الدرجة الاعلى أي على درجة واحدة بان قبلت طلبا” جديدا” تم الادلاء به للمرة الاولى في المرحلة الاستئنافية وحكمت بموجبه دون ان يكون للمستأجرة الحق بالطعن بقرارها الذي صدر بناء” لهذا الطلب الجديد. فخالفت المحكمة بذلك النص الصريح للمادة 663 أ.م.م. التي تمنع قبول الطلبات الجديدة استئنافا” لأن ذلك يقوّض قاعدة اجراء المحاكمة على درجتين.

11 – وادلت محكمة الاستئناف، تبريرا” لقرارها، باحكام المادة 4 من قانون اصول المحاكمات المدنية التي جاء فيها انه، وعند انتفاء النص، يعتمد القاضي المبادئ العامة والعرف والانصاف. لكنها لم تطبق المبادئ العامة المعروفة ومنها عدم رجعية القوانين بالنسبة لتعويض الاخلاء عند الاسترداد للضرورة العائلية او الهدم، ولا الانصاف في عدم تمكين المؤجر من الاسترداد لضرورة عائلية غير ثابتة. ذلك ان قانون الايجارات الجديد يبقى له طابع القوانين الاستثنائية مما يحجب قانون الموجبات والعقود كما تحجب السحاب السماء، على نحو التشبيه الذي نص عليه قرار المحكمة.

12 – وفي رأيي فإنه كان على محكمة الاستئناف رد الطلب الطارئ بتطبيق قانون الايجارات الجديد وإصدار القرار في الاستئناف بناء” على الحالة القانونية التي كانت سائدة في المرحلة الابتدائية من المحاكمة وهي تخضع للقانون 160/92، وأرى انه يجوز استرداد هذا القرار استدراكا” لما وقع فيه من أخطاء فادحة.