إما الحكم الصالح وإلا الثورة الآتية حتما”

اصبح من المسلمات، ولا سيّما بعد الحراك المدني الأخير، ان من يديـــــر الجمهورية اللبنانيــــــة هــــــو “ نظام ” سيء واستبدادي وفاسد وان كل الهيئات التي تمارس السلطات الدستورية اللبنانية قد نخرها الفساد.

طُرح في هذا الحراك شعار “ إسقاط النظام ” دون ان تكون للمنادين به أية فكرة واضحة عمّا سوف يلي السقوط. ولا بدّ أن أصحاب شعار الإسقاط يريدون استبداله بحكم صالح.

والواقع ان “ النظام ” ساقط ولا يحتاج إلا الى اعلان سقوطه لأنه يواجه اجماعا” معاديا” له من الشعب الذي ثبت أنه يتعطش الى التغيير الشامل، ولأنه أي “ النظام ” لا يملك مقومات البقاء والاستمرار. فإذا تهاوى “ النظام ” أو أعلن سقوطه فقد يأخذ معه الدولة وتغرق البلاد في الفوضى إلا إذا حلّ محله الحكم الصالح.

ولا معنى للحكم الصالح ما لم يؤدي إلى قيام دولة القانون والعدالة الاجتماعية وضمان احترام حقوق الانسان بالمساواة وبكل دقة. وهذه هي الجائزة الحقيقية لسقوط “ النظام ”.

ولا يتم الانتقال من “ النظام ” الى دولة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان إلا بواحد من طريقين: التشريع أو الثورة. فإذا لم يتقدم التشريع على الثورة فإن الثورة آتية ولن تطلب إذنا” من أحد ولن تخضع لأي شيء يعيق انجازها لمهمتها.

فإما الحكم الصالح وإلّا الثورة الآتية حتما”. فإن إستمرار العجز في الانتقال من “ النظام ” الى الحكم الصالح لم يعد مقبولا”.

فإي حكم صالح يمكن ان يقوم في لبنان ؟

هذه هي الشروط المسبقة لقيام الحكم الصالح:

1 – ان الشرط الاول لقيام الحكم الصالح في لبنان هو تحرير الدستور اللبناني من القيود الطائفية بصورة تامة، وإعلاء مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين اللبنانيين كأفراد لا كمجموعات. فيصبح لكل لبناني فردٍ مهما كان دينه أو جنسه أو عنصره أو أصله الحق بأن يلي كل مناصب الدولة سواء بالانتخاب او التعيين دون قيد او شرط سوى شروط النزاهة والكفاءة والعلم وبأن يكون ناخبا” ومنتخبا” بصورة مطلقة.

2 – اما الشرط الثاني فهو اصدار قانون بمنع الاشخاص المعنويين كافة والاشخاص الطبيعيين الذين يتكونون منهم، من كهنة وأئمة وخطباء كنائس ومساجد، من تعاطي السياسة أو التجارة أو الاعلام تحت طائلة العقوبة الجزائية الصارمة. ويشمل هذا المنع على الخصوص المؤسسات الدينية مثل البطركيات ودور الافتاء والمجالس الشرعية والملية والشركات على انواعها والنقابات المهنية وغير المهنية وتستثنى الاحزاب السياسية.

3 – والشرط الثالث هو اصدار قانون عصري للاحزاب السياسية يمنع ان تكون أكثرية اعضاء أي منها من ابناء دين واحد أو من الاعضاء في مؤسسات دينية او ان يكون لها اغراض دينية او طائفية أو ان تطلق شعارات دينية أو طائفية. ولا يحق لها تعاطي التجارة أو تملك مؤسسات اعلامية، ويمنع تلقيها اموالا” من الخارج. وعليها التصريح دوريا” بحساباتها. كل ذلك تحت طائلة الحل والمصادرة والعقوبة الجزائية.

4 – والشرط الرابع هو تطبيق قانوني المطبوعات والاعلام تطبيقا” أمينا” وتطويرهما بحيث لا ينفرد شخص واحد أو عائلة واحدة في ملكية أية وسيلة من وسائل الاعلام او السيطرة على ادارتها وان لا تكون لهذه الوسائل أو لادارتها اهداف سياسية. بل يكون عليها ان تتعاطى مع كل الاحزاب السياسية بالمساواة. ويمنع عليها تلقي الهبات وعليها التصريح بحساباتها.

5 – والشرط الخامس هو تطهير القضاء والادارة وإعادة تكوين نظام قضائي نزيه وهيئات رقابية وطنية نزيهة وفاعلة ومنع تولية الادارات والوزارات لغير المختصين في موضوعها ومنعهم جميعا”، قضاة وموظفين ووزراء، من تعاطي التجارة إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة الاشخاص المستعارين.

6 – واما الشرط السادس فهو فصل السلطات فلا يلي النائب الوزارة الا بعد استقالته من النيابة.

7 – والشرط السابع هو اعتماد القائمة الانتخابية بدلا” من لوائح النفوس.فلا يكون ناخبا” او مرشحا” إلا من كان مسجلا” في القائمة الانتخابية لكل مدينة أو بلدة قبل سنة على الاقل من موعد الانتخابات العامة أو البلدية. ولا يحق التسجيل في هذه القائمة إلا لمن كان يقيم اقامة فعلية في نطاقها قبل سنة كاملة من موعد الانتخابات كما يكون ثابتا” من سند الملكية أو عقد الايجار المسجّل. ويمنع التسجيل في اكثر من قائمة انتخابية واحدة تحت طائلة الملاحقة الجزائية بجناية التزوير.

8 – والشرط الثامن ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ورئيس المحكمة الدستورية العليا (التي يجب انشاؤها) ونائب لكل منهم من الشعب مباشرة في كل انتخابات نيابية عامة بولاية متساوية المدة والقوة المعنوية ولمدة لا تزيد على اربع سنوات.

9 – والشرط التاسع هو ان لا يخلف صاحب المنصب المنتخب نفسه إلا مرة واحدة. فلا يكون للنائب ان يرشح نفسه لتجديد ولايته إلا مرة واحدة . وكذلك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية العليا. ولا يعين الشخص الواحد وزيرا” أكثر من مرتين. ويطبق هذا الشرط بمفعول رجعي. ويعتبر الشخص وأقرباؤه الاقربون بمثابة الشخص الواحد لتطبيق هذه الموانع.

10 – والشرط العاشر هو ان يكون للشعب الحق في سحب الثقة من أي من الرؤساء الذين انتخبهم مباشرة أو نوابهم أو أي عضو من أعضاء مجلس النواب وذلك عن طريق التصويت وبناء” لعريضة موجهة الى مجلس النواب وموقعة من ناخبين مسجلين يعادلون خمسين بالمائة من عدد المواطنين الذين انتخبوه.

11 – واما الشرط الحادي عشر فهو ادخال تعديل دستوري بإعتبار كل قانون مخالف للدستور باطلا” بطلانا” مطلقا” وتلقائيا” ولا مفعول له. ويكون لكل قاض مدني او جزائي سلطة لحظ هذا البطلان. ويجوز الطعن بقراره مباشرة امام المحكمة الدستورية العليا التي يجب انشاؤها.

12 – واما الشرط الثاني عشر فهو الغاء مرور الزمن، بمفعول رجعي، على الجرائم المالية المتعلقة بالمال العام واعادة التدقيق في حسابات الدولة وماليتها العامة منذ العام 1982 وحتى اليوم بواسطة هيئة مستقلة تستعين بخبرات وطنية ودولية.

وكل هذه الشروط هي شروط مسبقة ولا قيمة لها إذا لم يتم احترامها بدقة. وان مفعولها هو فتح الطريق امام قيام الحكم الصالح في دولة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وتحت سيادة القانون لا سيادة الاشخاص. ذلك ان مهمة االدولة الاولى والاخيرة هي حماية حقوق الناس ورفع الظلم عنهم عن طريق التطبيق النزيه والشريف للقانون. ولا يعقل ان يناط تطبيق القانون بمن لا يطبق عليهم القانون بمخالفة قاعدة: كما تدين تدان. كما لا يعقل تطبيق قول المتنبي: وداوني بالتي كانت هي الداء. لأنه من المستحيل حصول الاصلاح على أيدي الشركاء في النظام أو المستفيدين من الفساد. وان أول خطوة في هذا السبيل هي تكريس الشفافية الكاملة والتصريح عن الاموال والمداخيل الشخصية لكل السياسيين والقضاة وسائر الرسميين في سجلات رسمية مكشوفة، وكشف ممتلكاتهم من خلال السجلات العقارية والتجارية، ورفع السرية عن حساباتهم المصرفية، والاطلاع عليها، مع اخضاعهم للتدقيق والمساءلة بمفعول رجعي. ومن هنا يبدأ التطهير. ومن حق الشعب ان يرى من حين لأخر، كما يحصل في كل انحاء العالم، وزيرا” خطيرا” أو قاضيا” كبيرا” او نائبا” مفُوها رهن التوقيف أو التحقيق أو المحاكمة أو السجن ليتعظ بذلك سواه من الوزراء والنواب والقضاة والموظفين العموميين مهما بلغت درجاتهم.