رأي الاستاذ ناجي عبد الله حول الضمانات القضائية أولى من التشكيلات القضائية

تعليقاً على هذا الموضوع ، وردنا من الزميل الاستاذ ناجي عبد الله الرأي التالي :

قال تولستوي يوما”: ” أسهل للانسان أن يكتب مجلدات في الفلسفة من أن يضع مبدأ” واحدا” حيز التطبيق “…

انطلاقا” من هذا القول نسأل: اذا كان القضاة في لبنان قد تنازلوا عن سلطانهم واستقلاليتهم فمن هو الذي سوف يطبق هذه المباديء والضمانات الدستورية، ومن يحميهم أولا” اذا هم تمسكوا بها افراديا” ؟؟؟

لا يمكننا أن ننكر الحضيض الذي بلغناه جميعا” نتيجة لجبروت الاقطاع والفساد والافساد السياسي والطائفي في لبنان الذي تسلل الى جميع قطاعات ما تبقى من ” هيكل الدولة اللبنانية ” التي لم تعد لا دولة ولا جمهورية في المفهوم الدستوري لتعريف الدول، ودليل ذلك أن كل قاض تجرأ وتصدى لمطالبهم رافضا” اغرائاتهم وتهويلاتهم نراه باحثا” اليوم عن وظيفة في أي مكتب للمحاماة في الدول الخليجية أو الغربية تبعا” لثقافته …، فهو طبعا” لن يستفيد من ضمانات مشابهة لسائر الضمانات التي تمنح حكما” للقضاة في الدول المتحضرة كنتيجة حتمية ” لاستقلالية السلطة القضائية التشريعية والمادية والمعنوية “، حيث تحتاج مثلا” في الولايات المتحدة الأميركية الى أكثريتي مجلسي الشيوخ والكونغرس لاقالة قاض فيديرالي من منصبه، مع التذكير بأن هذا القاضي بامكانه محاكمة رئيس الولايات المتحدة الأميركية بالذات …

دون الاطالة والفلسفة والتحسر وبالعودة الى واقعنا في لبنان،

اذا كان القضاة أنفسهم لا يجرؤون على التمسك بهذه الاستقلالية والصلاحيات التي منحها لهم الدستور اللبناني ” فعلى من تتلوا مزاميرك يا داوود ؟ “…

واذا كان بعض القضاة، وبكل أسف، لا يجرؤون على فصل هاتفهم قبل وأثناء الجلسات وعليهم تحمل ” الاهانات العلنية والارتكابات ” التي امتهنها مجرم ” محمي ”  أمامهم دون أن يسمح لهم باتخاذ أي اجراء بحقه ؟

واذا كان بعض القضاة أيضا”، وبكل أسف، لا يجرؤون على قول الحق، وأصبح دورهم يقتصر على مشاهدة الاحتيال والتهويل والابتزاز الذي يمارس أمامهم الى حين اخضاع الضحية وحملها على الخضوع لمطالب جلادها الذي لم يعد يخشى لا القضاء وطبعا” لا يخشى أيا” من رجال الضابطة العدلية،

لا بل أكثر، وهنا التأسف الأكبر،

اذا كان أبناء بعض القضاة من الزملاء المحامين قد ظنوا أن صفة أهلهم وأقاربهم سوف تمنحهم حصانة” أو ميزة” تجيز لهم المغالاة في الدفاع عن مكتسبات كبار المجرمين المعتادين المكررين عبر التدخل في عمل القضاء مباشرة” ودون أي اعتبار لأية أخلاقيات أو مباديء أو حتى لقوانين تنظيم مهنة المحاماة والأصول التي نصت عليها، وطبعا” لقاء الحصة المناسبة كي لا نقول أكثر

اذا كان كل ذلك هو من مشاهداتنا اليومية حضرة الزميل الكريم، نحن الذين أقسمنا على ” تحقيق رسالة العدالة بابداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق ” وفقا” لما نصت عليه المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة،

 

واذا كان كل ذلك هو في مشاهدات القضاة اليومية، هم الذين يحكمون ” باسم الشعب اللبناني ” وفقا” لنص المادة 20 من الدستور اللبناني …

 

فأي مبدأ هو ذلك الذي نسعى جاهدين الى البحث عنه ووضعه قيد التطبيق اذا كان من أولي به تطبيقه ” متنحيا” ” ؟ …

الحل ليس طبعا” بتشريعات جديدة للقضاة فقط، فالفساد المحيط بهم مستشري بين الكتبة والمباشرين وصولا” حتى الى مرافقيهم والسائقين، لا بل هو بلغ حتى موظفي مقاهي قصور العدل وسماسرتها …

الحل ليس طبعا” باستقدام كفاءات من الخارج لاستبدال كفاءات وافرة موجودة أصلا”، كفاءات من الخارج سوف تضحي بدورها رهينة المال الفاسد والتهويل والابتزاز المستشري،

والحل طبعا” ليس بكتابة أو طباعة المزيد من الدراسات والمجلدات، فناتجنا المحلي منها قد أغدق المكتبات والجامعات وخيرة مثال هو ما أورده القاضي محمد مكي الموقر في مؤلفه ” الكافي في الافتراء الجزائي ” الصادر سنة 2012، سيما في الصفحة 315 منه وما يليها …

بكل احترام واستنادا” الى خبرتي المتواضعة فانه لا عبرة لأي حل تكتبه حفنة من خيرة القضاة والمحامين الاكفاء والنزهاء فالمتربصون بهم على أهبة الاستعداد للتصدي لهم وافشال محاولاتهم، وبعضهم منهم وبينهم،

وأن أي حل لن يكون الا عبر مؤتمر وطني قانوني جامع يلتقي فيه القضاة والمحامون وكافة رجال وأساتذة القانون لاصدار وثيقة واحدة جامعة وضامنة لاستقلالية السلطة القضائية وأجهزتها وتشريعاتها بحيث تتساوى هذه السلطة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية في الاستقلالية، لا بل تتقدم عليها في الاستقلالية والتنظيم الداخلي والضمانات لأن حكم القضاء اللبناني يصدر دوما” باسم الشعب اللبناني، وليس باسم جماعة أو مجموعة ناخبة محددة المعالم والانتماء.

والحل لن يكون الا عندما تجتمع نقابتا المحامين في لبنان بتلك النخبة من القضاة وأساتذة القانون وتقرر مجتمعة” التوقف عن العمل على كافة الأراضي اللبنانية الى حين اقرار الوثيقة المذكورة في المجلس النيابي.

عذرا” من تولستوي وافلاطون وجوستينيان …،