القضاء ليس بخير يا فخامة الرئيس ! كتاب مفتوح من النقيب عصام كرم الى رئيس الجهورية

وجه الزمبل النقيب عصام كرم إلى رئيس الجمهورية الكتاب المفتوح التالي نصه:

بادرة تكاد تكون يتيمة أن تعمد ، يا فخامة الرئيس ، وانت القاضي الأول ، الى مراجعة القضاء . الطعن الذي قدّمته في قانون التمديد سبعة عشر شهراً للمجلس النيابي بادرة تُسجًل لك في تجديد الثقة بالسلطة الثالثة .

المجلس الدستوري مرجعية أساس . وهو ، على رغم تعثُّره منذ نشأته حتى اليوم ، يستحق ثقة تحدوه أكثر على حمل مسؤولياته . ولا يستوقفني كلام يقول إن المجلس الدستوري مدعوّ . إذ ينظر في الطعن الذي قدمته اليه ، الى مواجهة مع المجلس الذي انتخبه والذي يقول إنه سيّد نفسه . ذلك بأن القاضي ، في قناعتي ، لا يكون موظفاً عند من سمّاه … إنتخاباً كان ذلك أو تعييناً . فهو قاضي الشعب اللبناني . وقراراته تصدر ‘‘ باسم الشعب اللبناني ’’ .

كلنا نعرف أن المجلس الدستوري حديث العهد في لبنان . في فرنسا ، عمر المجلس الدستوري أكثر من خمسين سنة. هناك … ليس لزاماً ان يكون أعضاء المجلس الدستوري من أهل القانون . سياسيون متقاعدون يسميّهم ، بدون مناقشة علنية أو نيابية ، رئيس الجهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ . وهو، المجلس الدستوري ، مجلس ، لا محكمة . ووجود رؤساء الجمهورية السابقين في عداد أعضائه يكر هذا المفهوم ، مفهوم مشترع 1958 . محكمة التمييز الفرنسية تحرق أوراق المستشارين . مجلس شورى الدولة يخفي المذكرات عن الباحثين . أما المجلس الدستوري ، فيكشف أوراقه كل خمس وعشرين سنة كما هي .

أكثر من خمسين سنة ، وسلطاته محدودة . لا يستطيع وضع يده على نصّ . السلطات السياسية ، هي ، تحيل عليه النصوص . لذلك … هو لم يمارس رقابة على أكثر من سبعة في المئة من القوانين التي صدرت من 1958 .

أعرق منه بكثير المجلس الدستوري الألماني في كارلسروهي . لكن القضاء ، إجمالاً ، يا سيّدي الرئيس ، لم يحظ باهتمام الدول … لا سيّما رؤساء الدول .

ولنعترف بشيء . هو أن السلطة التنفيذية خافت دوماً من السلطة القضائية . فخفضت الثورة الفرنسية منزلة القضاء من pouvoir الى autorité  . والعبارتان الفرنسيتان تُعربان كلتاهما بعبارة ‘‘ سلطة ’’ . الجنرال ديغول ، في دستور 1958 ، ذهب مذهب الثورة الفرنسية . وهو ، أصلاً ، ما كان ينظر النظرة المنيفة الى القضاء مغلباً ‘‘ حجة الدولة ’’ Raison d’Etat .

ولنعترف ، يا سيّدي ، بشيء آخر . هو أنّ القضاء كان دوماً واحداً من كبار المنسيّين . تحرّكات قامت من أجل أشياء كثيرة … إلا القضاء . ما استحق إضراباً من أجل تحسينه وتحصينه . ولا قامت تظاهرة من أجل ان تُرفع اليد عنه كلماكانت السلطة التنفيذية تبالغ في وضع يدها عليه .

يا سيّدي الرئيس !

إعتمادك مراجعة القضاء الدستوري بادرة مبرورة يجب أن يكون لها رجع على حالة القضاء في لبنان .

القضاء ليس بخير ، يا فخامة الرئيس !

كان الشواذ إستثناءً …. فصار الشواذ قاعدة . إخلاءات السبيل تتبررّ بكيفية يبرأ منها النصّ ويتنافى معها العُرف . والتبليغات .. حتى في الهيئات التأديبية القضائية … تجري خلافاً للأصول . والسرّية تُخرق . والمزاجية تسمح لنفسها بالكلام على ‘‘ سياسة قضائية ’’ تطيح القواعد وتزري بالمبادىء .

وأتمنى أن تسألني ، يا فخامة الرئيس ، لأجبتك والوقائع واضحة عندي ، والأسماء معروفة ، والمستندات في حوزتي !

… ويا سيدي الرئيس !

القاضي يقول الحق . ll dit le droit . يعني هو القيّم على المساواة بين الناس . على المبادىء الكبرى … كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان .

قيمة السنهوري أنه قال ‘‘ لا ’’ لـ جمال عبد الناصر . كمثل قيمة الإمام الأوزاعي من قبل .

وقيمة أنطونين بيسّون أنه قال ‘‘ لا ’’ للجنرال ديغول . ولما أمره الجنرال ، خطأ ، وهو إذذاك ، النائب العام لدى محكمة التمييز ، بأن يخالف القانون ، استقال وكتب كتابه الشهير ‘‘ خرافة العدالة ’’ Le mythe de la justice .

وقيمة أندري جيريس ، رئيس محكمة جنايات باريس ، وكان ظنّ فرانسوا ميّيران سيكون أرأف بالعدالة من ديغول ، خاب ظنه . فاستقال ، هو أيضاً . وكتب كتاباً عنوانه ‘‘ وحدها الحقيقة جارحة … أو شرف اللاإرضاء ’’ . Seule la verite blesse … ou l’honneur de déplaire .

في لبنان عرفنا مثل هؤلاء . إميل تيان قال ‘‘ لا ’’ للسلطان في محاكمة القوميين السوريين . وإميل أبو خير قال ‘‘ لا ’’ للسلطان في محاكمة أخرى للقوميين السوريين . هذاك في مطلع الإستقلال . وهذا بعد محاولة انقلاب 1961 .

لا ! القضاء ليس بخير ، يا سيّدي الرئيس !ّ

أنا أحكي عن قضايا محدّدة ، معروفة . ويا ليت ينبري من يرد عليّ … في أيّ مقام كان … لانكشفت الأوراق إذذاك … ولبان المخطئون المخالفون !

وأنت هنا لتفتح دفتر الحساب !

وأتوجّه ، في وارد الكلام إليك ، الى أهل الرأي ، خصوصاً كاتبو الإفتتاحيات الصحفية ، طالباً إليهم تخصيص يوم تكون الإفتتاحيات فيه فاتحة استنهاض في سبيل القضاء .

كما أتوجّه الى زملائي المحامين ، وهم طليعة أهل المعاناة في السيرة القضائية ، فأدعوهم الى موقف حازم حاسم … فيلبسون الروب ويكونون ، كما في سيرتهم ، أهل رفض صارخ يتظاهرون مسالمين .

لا للإستكانة ! لا للإستسلام ! لا لكلمة ‘‘ هكذا لبنان ’’ . ولا لكلمة ‘‘ القضاء ليس قضاء ، بل قضاء وقدر ’’ ! لا لأمثال المذلة . ‘‘ كل مين أخد إميّ صار عميّ ’’ .‘‘ الإيد لما فيك تعضا بوسا ودعي عليها بالكسر ’’. ‘‘ الرجال عند غاياتها نسوان ’’ .

وكنت دعوت المحامين الى حرق ‘‘ روباتهم ’’ . لكني ما زلت أحترم القضاء . وجصوصاً ما زلت أعترف ، يا فخامة الرئيس ، بأن في لبنان قضاء يكبر من أمامهم يترافعون !

عصام كرم

نقيب سابق للمحامين

بيروت 4-6-2013