قضية التعدي على حرية المحامي محمد مغربي مستمرة حتى تتم معاقبة الفاعلين

وجه المحامي الدكتور محمد مغربي كتاباً مفتوحاً الى كل من يعنيهم الأمر بمناسبة مرور عشر سنوات على بدء ارتكاب جنايات التعدي ومحاولة التعدي على حريته لأنه طالب بالنزاهة ودافع عن ضحايا انتهاك حقوق الانسان وسوء استعمال السلطة دون بدء محاكمة المسؤولين عنها . وهذا نصه :

المادة 344 أ.م.ج.
‘‘ تختص محكمة التمييز بالنظر في الجرائم التي يرتكبها القضاة سواء أكانت خارجة عن وظائفهم أم ناشئة عنها أو بمناسبتها ’’ .
المادة 367 عقوبات
‘‘كل موظف أوقف أو حبس شخصاً في غير الحالات التي نص عليها القانون يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة’’
المادة 350 عقوبات
‘‘يعد موظفاً بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والقضاء …’’
المادة 111 تنظيم مهنة المحاماة
‘‘يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسة وعشرين الف الى مائة الف ليرة لبنانية كل محام مارس المحاماة بعد منعه المؤقت من ممارستها أو شطب إسمه من جدول المحامين بموجب قرار تأديبي مبرم ’’ .

بسبب مطالبتي بالنزاهة ودفاعي عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وسوء استعمال السلطة ، تم التعدي على حريتي ، الجناية المنصوص عنها في المادة 367 عقوبات ، ابتداءً من يوم الجمعة في 8 آب 2003 . وفي 9 آب 2003 ، ادعى عليّ النائب العام الإستئنافي في بيروت بجنحة المادة 111 من قانون تنظيم المحاماة طالباً توقيفي فأصدر قاضي التحقيق مذكرة توقيف في ذات اليوم وبذات المادة . ونُسبت اليّ جريمة ‘‘ انتحال صفة محامٍ ’’ بعد أن كنت أمضيت أربعين عاماً محامياً في الإستئناف ولا أزال . وما لبث قاضي التحقيق أن ادعى عليّ وما زالت الدعوى عالقة حتى اليوم أمام محكمة الإستئناف في مرحلة الدفوع الشكلية !

استمر حجز حريتي حتى 29 آب 2003 حين أخلي سبيلي بكفالة . وأُسند الإدعاء والتوقيف الى القرار المزعوم صدوره عن الهيئة الثالثة في المجلس التأديبي للمحامين في 17 كانون الثاني 2003 والمتضمن زعماً شطبي من الجدول لمطالبتي بالنزاهة في القضاء والمحاماة .

وأثناء التعدي على حريتي ، الذي تم معظمه في سجن رومية ، اشترك أو تدخل أيضاً عدد كبير من القضاة في هذه الجريمة بإطالة مدة الإحتجاز ولا سيما منهم نواب عامون ومحامون عامون وأعضاء في محكمة الإستئناف القائمة بوظيفة الهيئة الإتهامية ، وعلى رأسهم جميعاً النائب العام لدى محكمة التمييز الذي كان يوجه كلّ من كان منهم بحاجة الى توجيه ، وذلك بتأخير البت بطلبات استرداد مذكرة التوقيف وإخلاء السبيل أو رد هذه الطلبات أو تأخير البت في الطعون في القرارات الصادرة فيها .

وبعد إخلاء سبيلي ، وعلى مدى تسع سنوات ، جرت عدة محاولات للتعدي على حريتي بملاحقتي بجريمة ‘‘ انتحال صفة محامٍ’’ استناداً الى ذات المادة 111 ت.م.م. بتحريك دعاوى أخرى ما يزال بعضها عالقاً حتى اليوم . ليس هذا فحسب بل أصدر طانيوس الخوري ، بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى ، تعميماً الى كل القضاة باعتباري مشطوباً من جدول المحامين . وهذا ما نتج عنه ، على مدى زهاء عشر سنوات ، تناقص قدرتي على المطالبة بالنزاهة وعلى ممارسة المهنة بسبب انشغالي وزملائي في المكتب في الدفاع عن نفسي جزائياً وتأديبياً ، لكن مكتبي بقي مفتوحاً دون اذعان للذين رغبوا في إنهائي كمحامٍ .

ولا بدّ ان كل الذين أمروا بتوقيفي أو تدخلوا في هذا الأمر كانوا يعانون من فقدان النظر قصداً بقراءة المادة 111 ت.م.م. على عكس معناها الصريح والواضح وهي التي تشترط للملاحقة أن يكون هناك قرار تأديبي مبرم في حين أنني كنت طعنت في قرار 17 كانون الثاني 2003 المزعوم أمام محكمة الإستئناف في بيروت واستمر الطعن عالقاً حتى 25 حزيران 2012 حين صدر القرار بإبطال القرار المذكور واعتباره مجرداً من كل قوةٍ تنفيذية .

إذن ، قرأت محكمة الإستئناف القانون وطبقته تطبيقاً صحيحاً بنسبة 90 % ، ولو بتأخر أكثر من تسع سنوات. وذلك بعد أن سهل لها قيامها بمهمتها تحرك عدد كبير من الزملاء المحامين تأييداً لي ، وانحسار الضغط عليَ الذي مارسه بعض نقباء المحامين لا سيما وأن ذريعة الإعتداء عليّ في 8 آب 2003 كانت الشكوى الإفترائية التي قدمها الى النيابة العامة التمييزية نقيب المحامين في حينه ، وتشكل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تولى فيها وزارة العدل النقيب شكيب قرطباوي ، وانتخاب الاستاذ نهاد جبر نقيباً . وعلى أثر صدور القرار المذكور ، قمت بتسديد اشتراكاتي في النقابة بصورة رجعية الى العام 2004 وكأن شيئاً لم يكن .

ولأن ما تعرضت له ، وما أزال لاستمرار مختلف الدعاوى المبنية على مخالفة النص الصريح للمادة 111 ت.م.م. ، هو جناية المادة 367 عقوبات ، ولأن معظم الذين ارتكبوا أو شاركوا أو تدخلوا في ارتكاب الجناية المذكورة بحقي هم من القضاة ، ولأن هناك فصلاً خاصاً بجرائم القضاة في قانون أصول المحاكمات الجزائية يعطي الإختصاص في تلك الجرائم لمحكمة التمييز ، ولأن النائبين العامين التمييزيين السابقين كانا من بين المشكو منهم ، فإنني تقدمت من الرئيس الاول لمحكمة التمييز في 2 حزيران 2009 بطلب أرفقته بشكواي كمتضرر من جناية التعدي على الحرية . وكانت الشكوى آنذاك تتناول أربعة عشر قاضياً وبعض المحامين وضباط قوى الأمن الداخلي . لكن كلاً من القلم وأمينة سر الرئيس الاول التمييزي امتنعا عن استلامها بتعليمات منه . فارسلتها بالبريد المضمون لكنه رفض استلامه ، مما اضطرني الى تقديمها الى رئاسة مجلس الوزراء . فأمر الرئيس الحريري بإحالتها الى وزير العدل في حكومته . فاتخذ ذلك الوزير موقفاً سلبياً حتى أنه نشر بياناً في احدى الصحف باعتباري مشطوباً من الجدول! لكن ، وبعد أن تألفت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عرضت الأمر على رئاسة الوزراء من جديد فاحال الرئيس ميقاتي الملف الى وزير العدل النقيب قرطباوي دون أن يؤدي ذلك بعد الى أية نتيجة إيجابية .

وفي 31 كانون الثاني 2013 عدت فقدمت الشكوى للمرة الرابعة الى النائب العام التمييزي الجديد ( والذي سرعان ما تقاعد ) لكن لم يتم تسجيلها حتى 14 آذار 2013 مع إحالتها في ذات اليوم الى مجلس القضاء الأعلى . وهي تناولت ستة قضاة متقاعدين واحد عشر قاضٍ عامل أي أن عددهم قد زاد بازدياد المحاولات .

وفي 16 تموز 2013 تقدمت بكتاب الى كل من مجلس القضاء الأعلى ورئيس هذا المجلس بصفته الأصلية ، وهو الرئيس الاول لمحكمة التمييز ، طالباً سرعة البت بإحالة النائب العام التمييزي وتعيين قاضي تحقيق خاص للنظر في الشكوى كما توجب المادة 347 أ.م.ج. لكنه لم يتناهى اليّ حتى اليوم أن أياً من مجلس القضاء الأعلى أو رئيسه الرئيس الاول لمحكمة التمييز قد نظر في إحالة النائب العام التمييزي أو في طلبي .

ولا يسعني إلا أن أتذكر ما كان يمارسه بعض من تمت إحالتهم الى المجلس التأديبي في تأخير النظر في الملفات حتى تنقضي مهلة مرور الزمن ، الأمر الذي يؤلف جريمة إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة . ذلك أن المادة 10 أ.م.ج. تسقط دعوى الحق العام بمرور عشر سنوات في الجناية وثلاث سنوات في الجنحة . الا أن المادة ذاتها نصت على أن مرور الزمن يتوقف عن السريان إذا استحال، بسبب قوة قاهرة، إجراء أي عمل من أعمال الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة ، ويعود الى السريان فور زوالها . كما أن القاعدة العامة في قانون الموجبات والعقود هي ما نصت عليه المادتان 356 و 357 منه . فجاء في المادة 356 أن حكم مرور الزمن ينقطع لمصلحة الدائن الذي استحال عليه قطعه لسبب لم يكن فيه مختاراً. وجاء في المادة 307 أن كل مطالبة ذات تاريخ صحيح تقطع مرور الزمن . لكن النهج الذي سار فيه المطالبون برأسي منذ إطلاقي ورفاقي الحملة من أجل النزاهة في القضاء في مطلع العام 2000 جعل من المستحيل ملاحقة الذين شاركوا في هذه المطالبة أو في تنفيذها .

لذلك فإنني باقٍ على يقين ثابت أن استحالة إحقاق الحق هي مؤقتة وآيلة الى نهاية محتومة وان قضية التعدي على حريتي لن تنتهي دون إنزال العقاب بمن ارتكب أو حاول ارتكاب جناية 367 عقوبات أو أساء استعمال السلطة ، وان حقوقي سوف تصلني في التعويض الكامل ، مادياً ومعنوياً ، عن الضرر غير المحق الذي أُنزل بي منذ العام 2000 بسبب مطالبتي بالنزاهة ودفاعي عن ضحايا انتهاكات حقوق الانسان .