كلمة المحامي الدكتور محمد مغربي في ندوة الدولية للمعلومات عن قانون الإيجارات العتيد: المشكلة – الأزمة – الحل

القانون العتيد ينتهك حقوق الإنسان والدستور والقانون

مقدمة

1-إن في جوهر مسألة الإيجارات السكنية الحق الإنساني في المسكن الذي نصت عليه المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الذي انضم اليه لبنان كمعاهدة دولية بموجب قانون أول أيلول 1972 الصادر بالمرسوم رقم 3855 ( الجريدة الرسمية 76/1972 ) والحق الإنساني في المساواة والكرامة الذي نصت عليه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من الدستور اللبناني وضمانة المادة 15 منه .

2-في أول نيسان 2014 وافق مجلس النواب على مشروع قانون جديد للإيجارات . ويبدو أن هذا القرار لم يجد طريقه بعد إلى الحكومة عملاً بالمادة 56 من الدستور التي أعطت رئيس الجمهورية مهلة شهر واحد في الأحوال العادية ، وخمسة أيام إذا قرر المجلس إستعجال إصدارها ، لإصداره . لكن لرئيس الجمهورية ، وبعد إطلاع مجلس الوزراء عملاً بالمادة 57 من الدستور ، أن يطلب من مجلس النواب إعادة النظر في القانون بعد مناقشة أخرى . لكن إقراره من جديد يتطلب الغالبية المطلقة من مجموع النواب الذين يؤلفون المجلس قانوناً أي 65 صوتاً.

3- وإنني أتمنى أن يقوم رئيس الجمهورية برده للأسباب التالية .

أ-تاريخ قوانين الإيجارات الإستثنائية في لبنان

3-لجأت دول كثيرة خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها إلى إصدار قوانين لتمديد عقود الإيجار ومنع زيادة البدلات إلا بنسب محددة ومنها دولة الإنتداب الفرنسي في لبنان ، وذلك لأسباب إقتصادية وإجتماعية في إطار توفير الأمن الإقتصادي والإجتماعي لسواد الشعب .

4- وأول قانون معروف بهذا الشأن في لبنان هو القرار رقم 19 ل.ر. الصادر عن المفوض السامي الفرنسي في 26 كانون الثاني سنة 1940 ( الجريدة الرسمية العدد 3761 في 29 شباط 1940 ) . وقد أعطى هذا القانون المستأجر حق تمديد عقد إيجاره بإرادته المنفردة لسنة واحدة بذات الشروط .

5-وفي 28 كانون الأول 1940 صدر القرار رقم 368 ل.ر. عن المفوض السامي الفرنسي بالوكالة ( الجريدة الرسمية ، العدد 3858 في 5 شباط 1941 ) الذي مدد عقود الإيجار ، دون حاجة لأي إجراء من جانب المستأجر، حتى نهاية العام 1941 ، مع زيادة بدلات المحلات التجارية والصناعية .

6-وتوالى بعد ذلك تمديد قانون الإيجارات أو إصدار قوانين إيجارات جديدة مع تمديدها . وكان آخر هذه القوانين القانون ر قم 160/1992 الذي تمّ تمديده مراراً حتى إنتهى أجل آخر تمديد في 31/3/2012 .

7-وبمراجعة أحكام المحاكم إبتداءً من العام 1945 كما تمّ نشرها في بعض المجموعات القانونية يتبيّن أن النزاعات بين المؤجرين والمستأجرين كانت تأخذ حيزاً كبيراً من وقتها . ولا تزال حتى الساعة .

8-وفي أثناء الفترات الفاصلة بين إنتهاء مفعول قانون من قوانين الإيجارات وصدور قانون بتمديده أو قانون جديد يحل محله فإن المحاكم أجمعت على إفتراض أن عقود الإيجارات سوف تمدد إلى ما لا نهاية وامتنعت بالتالي عن تطبيق الأحكام المخالفة له في قانون الموجبات والعقود الذي هو القانون العام .

9-لكن من الأحكام غير المخالفة لقوانين الإيجارات ما نصت عليه المادة 597 من قانون الموجبات والعقود في أن عقد الإيجار لا يفسخ بالتفرغ عن ملكية المأجور سواء إختيارياً أو إجبارياً . ونصت المادة 598 منه على أن للمالك الجديد أن يخرج المستأجر من المأجور إذا لم يكن لديه عقد إيجار خطي ذو تاريخ صحيح . أي أن على المالك الجديد أن يلتزم بعقد الإيجار الذي أجراه المالك السابق حتى ولو تمّ نقل الملكية جبراً .

10-فيكون نشأ للمستأجر عن التمديد القانوني المستمر لعقود الإيجار على مدى 74 عاماً وفي ضوء المادة 598 المذكورة نوع من الحق العيني على المأجور مماثل لحق الإستثمار الجاري العمل به دون أي نص قانوني بل أقوى منه وهو أقرب إلى حق الإنتفاع .

11-وليس أدل على أن حق الإيجار أصبح من الحقوق العينية من أن القانون رقم 159/92 عدّل المادة 543 من قانون الموجبات والعقود بأن أوجب في الفقرة ثالثاً منها تسجيل عقد الإيجار الذي تتجاوز مدته ثلاث سنوات وغير الخاضع للقانون 160/92 في السجل العقاري ليسري على الغير .

12-وإن هذا الحق الذي نشأ بإرادة المشترع هو ، كحق الملكية، محمي بالمادة 15 من الدستور . فإذا تمّ إستملاك للعقار المؤجر فإن تعويض الإستملاك يوزع بين المالكين والمستأجرين بموجب قانون الإستملاك رقم 58/91 . ونصت المادة 26 من هذا القانون على تعويض المستأجرين في العقار المستملك بصفتهم من أصحاب الحقوق عليه. لكن المسؤولية عن نشوء هذا الحق والعواقب الإقتصادية عنه لا تقع على كاهل المستأجرين أو المؤجرين بل تتحملها الدولة .

13-وإن إزالة هذا الحق على النحو الذي نص عليه القانون العتيد هو مخالف للدستور من هذه الجهة أيضاً .

14-واليوم فإن معظم القضاة هم في حيرة شديدة من أمرهم ولا يعرفون أي قانون ينبغي عليهم تطبيقه . وسوف تزداد حيرتهم إذا تمّ إصدار القانون الذي أقرّه مجلس النواب في أول نيسان 2014 لاسيما وأن صياغته رديئة جدا.

15-أما من جهة الشعب فلا شك أن صدور القانون المذكور سوف يؤدي إلى إطلاق إضطرابات أمنية وعصيان بل وإلى حروب أهلية . ولسوف تعجز الحكومة عن فرضه فرضاً وتنفيذ الأحكام التي سوف تصدرها المحاكم تطبيقاً له مما سيعجّل في الإنهيار الشامل لما تبقى من بنيان الدولة .

ب-كيف تكوّنت المشكلة

1-ليست كل عقود الإيجارات سابقة للعام 1940 . بل أن الناس استمروا في تشييد الأبنية وتأجيرها في ظل قوانين الإيجارات الإستثنائية المتعاقبة. وبالتالي فإن البدلات التي تمّ التأجير بها نشأت عادلة وموافقة لإرادة الطرفين: المؤجر والمستأجر . وكانت البدلات تحدد بنسبة 10% من قيمة البناء . فإذا كانت قيمة المأجور خمسين ألف ليرة فإن الإيجار كان يحدد بخمسة آلاف ليرة .

2-وفي 9 أيار 1967 صدر القانون رقم 29/1967 الذي مدد عقود الإيجار السابقة واستثنى منه الأبنية السكنية الفخمة التي منع إخلاؤها قبل إنقضاء خمس سنوات على تأجيرها إلا لقاء تعويض .

3-لكن القانون رقم 10/1974 الصادر في 25 آذار 1974 ألغى عملياً هذا الإستثناء ومدد كل عقود الإيجار المعقودة أو الممددة قبل صدوره .

4-وجاء تدمير العملة اللبنانية في أواخر الثمانينات، في مؤامرة دنيئة لم يتم أي تحقيق بها بعد، ليقضي بدوره على القوة الشرائية لبدلات الإيجار . كما تدمّرت مدخرات ومداخيل الناس . وهذا ما شُرّع القانون رقم 160/1992 لتصحيحه عن طريق فرض الزيادات بمضاعفات كثيرة . وحرّر القانون 159/1992 ، الصادر في الوقت نفسه ، عقود الإيجار التي ستعقد بعد صدوره وأخضعها للقانون العام. ولم تعدّ عقود الإيجار المعقودة بعد صدور القانون رقم 159/1992 قابلة للتمديد القسري ، ويقيت العقود السابقة لهذا القانون خاضعة للتمديد بموجب القانون رقم 160/1992 وما يصاحبه من أحكام خاصة. لكن القانونين المذكورين صدرا في جو من التلاعب بأسعار تحويل العملات والإرتفاع المضخم للفوائد اللذين أنتجا أرباحاً فاحشة للمشاركين في هذه المؤامرة الدنيئة التي لم يتم أي تحقيق بها بعد .

5- وأخيرا فإن أسعار ألأملاك المبنية في المدن أرتفعت بصورة صاروخية خلال السنوات العشر الماضية إلى مابين ثلاثة وأربعة أسعارها السابقة وارتعت اسعار الأراضي خارج المدن بصورة مماثلة أو حتى أكثر بكثير دون أي نمو إقثصادي مواز أو إرتفاع مماثل في مداخيل الناس.

5-وإن مسؤولية تدمير العملة اللبنانية ومدخرات ومداخيل الناس والمتاجرة بأسعار العملة وجني الفوائد الفاحشة وما لحق ذلك من إرتفاع صاروخي وغير مسبوق ولا بد مصطنع في أسعار الأملاك لا تقع، هي أو عواقبها ، على كاهل المستأجرين أو المؤجرين بل إن ما جرى يشبه الكوارث الطبيعية كالزلازل أو الفيضان الذي يصيب الجميع وتعوّض عليه الدولة .

ج-الأزمة

1- يشبه قرار مجلس النواب في أول نيسان 2014 إجراء عمليةً جراحية كبرىً دون إعطاء أي بنج للمريض. وهو ينتهاك الحق في المسكن وينتهك المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن المساواة والكرامة الإنسانية والمادة 7 من الدستور التي توجب المساواة بين اللبنانيين والمادة 15 منه الضامنة لحق الملكية وسائر أصحاب الحقوق. وهو ميّز دون أي مبّرر بين فئتين من المستأجرين : (1) السابقة عقودهم للقانون 29/1967 و (2) اللاحقة عقودهم لهذا القانون وغير اللبنانيين. فأشرك صندوقاً غامضاً مع الفئة الأولى ، شرط ألا يتجاوز الدخل الشهري للفرد منها ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، في تحمل عبء الزيادات التي أخضع لها الفئة الثانية بحيث تصل الزيادة إلى أضعاف أضعاف البدلات المعمول بها لتصبح معادلة 5% من قيمة المأجور خلال ست سنوات . لكنه ميّز بدوره لجهة هذه المساهمة بين فئتين هما من لا يصل دخله الشهري إلى ضعف الحد الأدنى للأجور ومن يتجاوز دخله هذا الحد لكنه لا يصل إلى ثلاثة أضعاف الحد الأدنى المذكور ، وذلك لصالح الفئة الأولى ، بصورة غامضة وخاضعة لقرار لجان خاصة .

2-وأهم ما تميز به القانون العتيد هو إعطاء المالك الحق في الإسترداد سواء للهدم أو للضرورة العائلية أو لأي سبب آخر مع التمييز بين المستأجر قبل القانون 29/1967 والمستأجر بعد هذا القانون . فيعطى هذا الأخير نصف التعويض المعطى للأول !

3-ففي السنة الأولى اللاحقة لسريان مفعول القانون يصبح للمالك أن يسترد المأجور ويخلي المستأجر منه بعد أن يدفع له إذا كانت إجارته سابقة لقانون 29/1967 :

للضرورة العائلية : بدل إيجار أربع سنوات على أساس بدل المثل ، أي ما يعادل 20% من قيمة المأجور ، أو 10% للمستأجر بعد القانون 29/1967 .

للهدم : بدل إيجار ست سنوات أي ما يعادل 30% منه ، أو 15% منه للمستأجر بعد القانون 29/1967 .

لأي سبب كان : بدل إيجار ثلاث سنوات للإيجارات اللاحقة للقانون 29/1967 أي ما يعادل 15% منه .

لكن التعويضات المذكورة تخفض نسبياً في كل سنة لاحقة بمعدل 9/ 1.

4-في حين أن تعويض الإخلاء للهدم أو للإسترداد بموجب القانون رقم 160/1992 يتراوح بين 35% و 50%. وقد إستقر معدله بحسب أحكام المحاكم على ما لا يقل عن 40 %.

5-أي أن جوهر القانون ليس فقط رفع بدلات الإيجار خلال ست سنوات إلى نسبة 5% من قيمة البناء ، في حين أن النسبة في معظم دول العالم هي 2،50% أو أقل، بل إمكانية إخلائه بتعويض زهيد وعلى وجه السرعة .

6-وحديثاً جداً ، اعترفت وزارة المالية في مستند رسمي هو المذكرة رقم 1191 المؤرخة في 22/3/2013 (الجريدة الرسمية – العدد 13 في 28 آذار 2013 ) ، ان بدلات الإيجارات الجديدة أصبحت حالياً تعادل ما بين 3 و 4 % من السعر البيعي للعقار !

7-وهنا يجب طرح بُعد إقتصادي آخر ومهم جداً للهزة الأرضية التي تتهدد اللبنانيين إذا صدر القانون العتيد ، وهي أن مالك البناء المشغول من مستأجرين ممددة عقودهم ليس بالضرورة هو المؤجر القديم !

8-فالواقع هو أن عدداً كبيراً من قدامى المالكين/المؤجرين باعوا عقاراتهم بسعر السوق، الذي يعكس مفعول قوانين الإيجارات الإستثنائية، بما يناهز ربع ثمنها لو كانت غير مشغولة . أي أن المالكين الجدد غير متضررين بل هم مستفيدون لأن المشروع يُمكنهم من طرد المستأجرين القدماء بتعويض بخس وهدم مساكنهم وتسويتها بالأرض على وجه السرعة وبالتالي رفع أثمنة أملاكهم إلى ثلاثة أضعاف القيمة التي إشتروها بها .

9-لكن هذا الربح الفاحش لا يكفي ! فإن قانون البناء يُمّكن هؤلاء من مضاعفة ثمن أملاكهم مرة ثانية بتجميع العقارات الصغيرة التي تناهز مساحتها 300 إلى 600 متر مربع لتصبح 1,000 – 1,200 متراً أو أكثر ، بحسب المنطقة الإرتفاقية، مما يجيز لهم بناء أبراج شاهقة ( 18 طابقاً أو أكثر ) وبيع الأقسام المفرزة عنها إلى كبار المستثمرين ومعظمهم من غير المقيمين بل وغير اللبنانيين . وأكبر شاهد على ما تقدم هو حي ميناء الحصن الذي هُجّر منه أهله الأصليون وأُزيلت أبنيته القديمة تماماً لتحل محلّها الأبراج الشاهقة التي لا يسكنها منهم أحد .

10-وأما مصير المستأجرين القدماء في كل المدن اللبنانية ، والذين سينكل بهم المشروع ويقضي على حقوقهم الإنسانية والدستورية والقانونية على هذا النحو ، إن صار قانوناً ، فهو مثل مصير أهالي ميناء الحصن الأصليين الذين كان يناهز عددهم الخمسة عشر ألف إنسان لكنهم إختفوا تماماً من هذا الحي . ومنهم موكلتي السابقة السيدة أوديت منسى التي ماتت بعد شهر واحد من إخراجها من منزلها عنوة وهدمه .

11-ومن الثابت أن المشروع الذي أقرّه مجلس النواب في أول نيسان 2014 لم تسبقه أية دراسة إقتصادية إجتماعية جدية ومعمقة . فستنشأ نتيجة له في المدن مساكن جديدة خاوية على عروشها إلا من بعض المالكين الغائبين والمستثمرين الأجانب ، مقابل إفراغ المدينة من سكانها الأصليين مما سيولد ضغطاً لا مثيل له على المساكن خارج النطاق البلدي وسوف يرفع بدلاتها وينزل الضرر الفادح ليس فقط بسكان المدينة الأصليين بل بسكانها الذي سبق لهم أن نزحوا منها إلى الضواحي والأماكن المحاذية لها . الأمر الذي سوف يؤدي إلى جعل السكن في لبنان خارج متناول الإنسان العادي وينتهك هذا الحق الإنساني الذي تضمنه المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية كما ينتهك الحق بالمساواة والكرامة الذي تضمنه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحق المساواة الذي تضمنه المادة 7 من الدستور والحقوق التي تضمنها المادة 15 منه ! وإلى أين سوف يذهب اللبنانيون العاديون من أهل المدن بعد طردهم منها على هذا النحو ؟

د-الحلّ

1-يدرك من إطلع على ما حدث في مدن أوروبية وأمريكية كثيرة أن تملك غير المقيمين والأجانب الواسع فيها وإحلال أبنية جديدة فخمة محل المساكن القديمة أدى إلى تهجير نسبة عالية من سكانها الأصليين . لكن هذا التهجير لم يسبب كارثة إقتصادية إجتماعية لا يمكن تعويضها لوجود سياسات إقتصادية – إجتماعية رشيدة في تلك البلاد ولتوافر ثلاثة عوامل هي :

العامل الأول : ان هناك مواصلات عامة رخيصة تسمح للناس بالسكن على مسافة ساعة إلى ساعتين خارج المدينة والإنتقال اليها يومياً بكل يسر طلباً لفرص العمل .

العامل الثاني : إن وسائل المواصلات والإتصلات والخدمات تمكن الناس من العمل في اماكن كثيرة خارج المدن .

العامل الثالث : الحرص دائماً في تركيب الأجور على أن لا تزيد كلفة المسكن عن نسبة 20% من الأجر.

2-ومن يطلع على الأزمة التي وصلنا اليها في لبنان يتبيّن أنها ليست وليدة عوامل إقتصادية بحتة بل هي ناتجة بالدرجة الأولى عن إرادة تشريعية خاوية من أية سياسة إقتصادية – إجتماعية أو إسكانية واضحة وجدية . وهذه الإرادة التشريعية فرضت نفسها على مدى أربع وسبعين سنة على المؤجرين والمستأجرين على حد سواء.

3-فيكون الطرفان وقعا معا ضحايا الإرادة التشريعية التي مارسها المفوض السامي الفرنسي أولاً ثم نواب الأمة المفترضون بصورة غير رشيدة . وتكون الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن الضرر الذي سببته إرادة من مارسوا السلطة التشريعية فيها من لبنانيين وأجانب .

4-وإن الإقتناع بما تقدم يوجب إبتداع حلّ على ثلاث مستويات :

المستوى الأول : فك الكباش الذي لا طائل منه بين المالكين والمستأجرين سوى تحويل أنظار الجميع عن حقيقة الأزمة وأسبابها.
المستوى الثاني : تحميل الدولة مسؤوليتها بالتعويض بحيث تكون ، على الأقل ، شريكاً ثالثاً في الحل مع فئتي المستأجرين والمالكين.
المستوى الثالث : التخطيط لسياسة إسكانية للمستقبل .

5-فإما لجهة الكباش بين المالكين والمستأجرين فإنه يقتضى أولاً التمييز بين المالكين/المؤجرين الأصليين والمالكين الجدد الذين إشتروا أملاكهم منذ العام 1992 بسعر السوق الذي يعكس الحالة الإقتصادية الناتجة عن قوانين الإيجارات .

6-فيعطي المستأجر الخاضع للقانون 160/1992 الحق في شراء المسكن الذي يستأجره من مالكه بسعر يعادل 50% من ثمنه الحقيقي . فإذا لم يستعمل هذا الحق خلال مهلة معينة جاز للمالك أن يستعمله ، دون إعطاء أي سبب للإسترداد بإخلاء المستأجر، لقاء تعويض يعادل 50 % من ثمنه . وفي الحالتين فإن الدولة تعطي المالك القديم فحسب، بالإضافة إلى ما يحصل عليه من المستأجر، نسبة 10% أو أكثر من ثمنه الحقيقي تعويضا.

7-ويجاز للمصارف تمويل هذه العمليات بالكامل وبالتقسيط الطويل الأجل ( 15 – 25 سنة ) بفائدة مدعومة لا تتجاوز الإثنين بالمائة مع إمكانية حسم أوراقها لدى المصرف المركزي .

8-وإذا لم يشأ أي من الطرفين إستعمال هذا الحق ، فإن الوضع يبقى كما هوعليه مع تمديد القانون160/1992.

9-أما للمستقبل فإن على الدولة اللبنانية أن تضع بواسطة الحكومة سياسة رشيدة للرواتب والأجور وللإسكان بإحترام الدستور وحقوق الإنسان وتتيح لكل لبناني أن يحصل على راتب تكفي نسبة لا تتعدى الـ 20% منه لتأجيره مسكناً يكفيه وعائلته أو شرائه بأقساط طويلة الأجل . وهذا يعني رفع الحد الأدنى للأجور بصورة دراماتيكية . كما أن عليها أن تعيد النظر جذريا في قانون البناء للحد من تأثيره على أسعار الأملاك.

10-وعلى الدولة أيضا أن تضغط على أسعار الشقق في نطاق المدن عن طريق فرض ضريبة الأملاك المبنيّة كاملةعلى الشقق الجديدة الفارغة ونصف هذه الضريبة على الأراضي غير المبنيّة لحث مالكيها على بيعها أو تأجيرها، وأن تمنع تملك الأجانب إطلاقا، تحت طائلة البطلان والسجن مع الأشغال الشاقة والغرامة المالية القاسية، إلا لمسكن شخصي واحد لكل مقيم منهم في لبنان إقامة دائمة وبشرط ثبوت معاملة اللبنانيين في دولته بالمثل.