لماذا تجاهل حق الموظفين في الأجر العادل في تصحيح سلسلة الرتب والرواتب ؟

انحصر السجال القائم حول تصحيح رواتب موظفي الدولة ، وما يزال ، في تحديد نسبة الزيادات على الرواتب المعمول بها ، وهي تبقى ضئيلة حتى ولو تمّ الأخذ بمطالب الهيئات التي تدافع عن حقوق الموظفين ، هذه الهيئات التي لم تثر أبداً مسألة عدم عدالة هذه الرواتب في الأساس وعدم إنطباقها على المعايير الملزمة للدولة اللبنانية .

لا يخضع الموظفون ، ولا أجراء الإدارات الحكومية والهيئات البلدية، لقانون العمل الصادر في 23 أيلول 1946. لكن قانون العمل ، بعكس قانون الموظفين ، أقرّ في المادة 44 منه للأجراء بالحق في ‘‘ حد أدنى من الأجر كافياً لسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته ’’ .

أما قانون الموظفين فإنه إكتفى ، لجهة الأجر ، بالنص في المادة 16 منه على أن ‘‘ لكل درجة راتب يحدده القانون ’’ .

فهل يمكن للقانون أن يخالف ما التزمت به الدولة في الدستور والمعاهدات الدولية ؟ قطعا لا.

جاء في مقدمة الدستور، التي أضيفت بتعديل 21 أيلول 1990 ، أن لبنان :

‘‘ هو عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وتجسد الدولة هذه المباديء في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء ’’ .

فنصت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في أجر عادل يكفل لصاحبه ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان .
ونصت المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الذي أبرمه لبنان بالقانون المنفذ بالمرسوم رقم 3855 في أول أيلول 1972 ، وهذا العهد هو من ملاحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، على :

‘‘حق كل إنسان في التمتع بشروط عمل عادلة مرضية تؤمن كحد أدنى أجراً عادلاً وعيشاً كريماً للعمال وأسرهم في ظروف تكفل لهم السلامة والصحة ’’ .

فكان من الواجب أن يبدأ النقاش حول تصحيح رواتب الموظفين بالمطالبة بإرساء قواعد لتحديد الراتب الأساسي للموظفين بإحتساب مجموع كلفة مختلف مكونات العيش الكريم كالسكن والطعام والملبس ورعاية العائلة والتعليم والصحة والسلامة وسواها ، وعلى أن تتم إعادة النظر بهذه التركيبة كلما ارتفعت بنسبة محددة سلفاً حتى يلحق الراتب بهذا الإرتفاع .

ليس الموظفون أبناء الدولة فحسب ، بل هم جسدها ! فلا وجود للدولة إلا بهم . وان الدولة، التي تحجب عن موظفيها حقهم في الأجر العادل الذي يوفر لكل منهم المعيشة التي تليق بالكرامة الإنسانية، تفتقر إلى الكرامة الإنسانية. وإنه مما يحز في نفوس الموظفين عن حق ليس فقط أن دولتهم تتصرف معهم بإفتراض أنهم‘‘يدبرون ’’ أمورهم عن طريق الرشوة ، بل أنها تحرضهم، بالإمتناع عن إعطائهم حقهم الإنساني في الأجر العادل ، على أن يصبحوا مرتشين وتحثهم على أن ‘‘ يدبروا ’’ أمورهم عن طريق الرشوة . فيا للعيب !

وكيف ‘‘يدبر’’ الموظف أمره بعد بلوغه سن التقاعد وإستحالة إستفادته بعد ذلك من وسائل ‘‘التدبير’’؟

أما من أين تأتي الحكومة بالمال لدفع رواتب الموظفين بحسب معايير الأجر العادل فهذا الأمر ليس من شأن الموظفين ولا يسألون عنه . ويكفي لتمويل تسديد حقوقهم إلى آخر ليرة وقف الهدر المتدفق لأموال الخزينة وحقوق الدولة . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإن هناك أموالاً طائلة خرجت من الخزينة كسلفات لم يتم إستردادها أبداً ، وأنفقت الحكومة ‘‘ من تحت الطاولة ’’ أكثر من نصف مليار دولار على مسرحية ‘‘ المحكمة الخاصة بلبنان’’ الذي يستمر عرضها إلى ما لا نهاية دون نجاح يذكر ودون أن تعود بأي نفع ، ويتم تسديد عجز كهرباء لبنان بما يزيد عن الملياري دولار سنوياً لأن إنتاج الكهرباء يتم بكلفة عالية تزيد عن خمسة أضعاف كلفة الإنتاج بمعامل حديثة تستخدم طاقة رخيصة ويمكن بناؤها بكلفة تقل عن عجز ثلاث سنوات بهذا المعدل، وخلال فترة تقل عن ثلاث سنوات ، وبطاقة إنتاج تكفي كل لبنان 24/24 ساعة ، ومع ضرورة إطلاق الملاحقة الجزائية ضد كل وزراء الكهرباء السابقين الذين تعاقبوا في الإشراف على هذا العجز الرهيب وضد كل من تورط في الفساد المتمثل بصفقات توريد الفيول أويل المشبوهة إلى كهرباء لبنان بعشرات مليارات الدولارات بأسعار مضخمة ومواصفات ناقصة، ووقف سائر وسائل الهدر التي لا تعد ولا تحصى مثل سداد قروض لم تسحبها الدولة أصلاً، وغض النظر عن الإعتداءات المتمادية على أملاك الدولة العامة والخاصة مع الإمتناع عن محاسبة المرتكبين ماليا وجزائيا.