قانون الايجارات الظالم ومسؤولية السلطة المشترعة مقال للمحامي الدكتور خيرالله غانم

نشرت “النهار” حديثا جدا هذا المقال للزميل ألدكتور خير الله غانم فارتأيت إطلاعكم عليه لأهمية فحواه. ويلي نصه:

تناقض المصالح بين المستأجرين القدامى من جهة، ومالكي الابنية القديمة، ورثة المالكين القدامى، أو التجار الجدد للابنية القديمة من جهة أخرى، أخذ بعدا” جديدا” وخطيرا” بعد قانون الايجارات الاخير الذي سعى إلى معالجة الازمة على حساب المستأجرين أصحاب الحقوق المكتسبة والاوضاع المشروعة منذ القرار رقم 19 تاريخ 26/1/1940.

فالازمة أوجدها المشترع بالذات بفعل تدخله أكثر من ثلاثين مرة منذ أربعينات القرن الماضي.

هذا التدخل الذي ألغى عمليا” حرية التعاقد بين المؤجر والمستأجر بالنسبة إلى مدة عقد الايجار دفع جميع الناس إلى أن يأخذوا في الاعتبار مبدأ ثبوت تمديد مدة عقود الايجار بفعل القانون، فالمؤجرون راحوا يضاعفون بدلات الايجار، والمستأجرون إرتضوا دفع البدلات المرتفعة توقعا” لتمديد عقودهم سنوات وسنوات كانت كافية لتعيد التوازن إلى معادلة العقد الاقتصادية.

وفي المناخ نفسه إبتدع المالكون وتجار الابنية فكرة بدلات الخلو المرتفعة، حتى بالنسبة إلى الابنية الجديدة والخالية من كل إشغال، وبدلات الخلو هذه كانت تساوي في بعض الاحيان ثمن المأجور وأكثر، وكانت تعوَض المالكين والتجار سلفا” ما يعادل ثمن المأجور، وتضيف بدلات إيجار غير زهيدة إطلاقا”، لا يزال المالكون القدامى والجدد من تجار الابنية يستفيدون منها حتى اليوم.

وعندما فقدت العملة الوطنية قيمتها، جاءت قوانين الزيادات والمضاعفة عشرات، بل مئات المرات، لبدلات الايجار لتعيد توازنا” جديا” إلى معادلة عقود الايجار الاقتصادية. وتم ربطها بالحد الادنى الاجور فأصبحت هذه الزيادات متحركة تزداد كل مرة يزاد فيها الحد الادنى للاجور، حتى باتت أحيانا” تشكل خللا” كبيرا” في عقود الايجار، وعامل تضخم إضافيا” وإرتفاع أسعار، ناهيك بإرهاق المستأجرين في كثير من الاحيان.

فالحقوق والاوضاع المشروعة التي نشأت في ظل تلك القوانين يجب أن ترعى دائما” بتلك القوانين ومفاعيلها. وفي ضوء تلك القوانين بالذات، لا قانون الايجارات الجديد الظالم، تبقى حرية التعامل بين الناس هي وحدها كفيلة بحفظ الحقوق. والمالكون القدامى والمستأجرون، هم وحدهم يبتكرون معادلة الحل. وهذا بالفعل ما حصل، وكان يحصل دائما”، طوال الفترة التي غاب المشترع خلالها عن التدخل المستهجن بين الفريقين.

فكان يتم الاتفاق، حتى بالنسبة إلى الاماكن السكنية، على فسخ العقد مقابل تعويض للمستأجر يدفعه المالك القديم أو من حل محله، أو يدفعه مستأجر جديد يحل محل المستأجر القديم بالاتفاق مع المالك وبموافقته، وذلك مقابل جزء من بدل التعويض من جهة، ورفع بدل الايجار إلى مستوى متفق عليه، من جهة أخرى.

وإستمر هذا التعامل الحر بين الناس سنوات وكان قد شكل حلا” حقيقيا” لعقود الايجار الممددة.

ثم جاء المشترع وكرس بموجب القانون 159/92 حرية التعاقد في موضوع الايجارات، ملغيا” مبدأ ثبوت تمديد مدة عقود الايجار بالنسبة إلى العقود الجديدة بعد 7 تموز 1992.

فشكل هذا القانون حلا” لأكثر من ثلاثة أرباع المشكلة وأطلق حركة بناء وتوظيفات مالية جديدة .

قلة صغيرة منظمة سعت إلى أمرار قانون جديد على حساب حقوق وأوضاع المستأجرين المشروعة بدفع من مصالح خاصة لمجموعات ضاغطة صغيرة، بل لأشخاص فرديين ربَاحين بإمتياز. وهذا ما حصل فعلا” بموجب القانون الظالم الاخير الذي أقره مجلس النواب على عجل، وفي غفلة من الزمن.

هذا القانون الجائر الحق خسائر فادحة بفئة كبيرة من الناس وبشكل ظالم جدا”. أما الحل العادل فهو في تثبيت مبدأ حرية التعاقد من جهة، ومن جهة ثانية، تحمل الدولة جزءا” من المسؤؤلية من أجل تحرير عقود الايجار القديمة الممددة، ولكن ليس على حساب حقوق وأوضاع المستأجرين المشروعة. فيصار مثلا” إلى إعتماد مبدأ التعويض للمستأجرين القدامى، الذين دفعوا ثمن حقوقهم القانونية وأوضاعهم المشروعة على أساس ما بين 40% و50% من ثمن المأجور. أما المالكون القدامى أو الجدد لمثل هذه الابنية فينالون ما بين 50% و60% تضاف إليها مساهمة من الدولة المسؤولة عن هذه الازمة بنسبة 20% أو أكثر في حال التعويض عينا”، فيكون المالكون قد نالوا ما بين 70% و80% أو 100% من ثمن العقارات وهم الرابحون.

المجلس الدستوري هو الان المرجع الاخير لإحقاق الحق وأعمال المادة 7 من الدستور بفاعلية مطلقة في هذا الخصوص، وكذلك المادة 15 أيضا” بمعناها الجوهري الشامل كل الحقوق وكل الاوضاع المشروعة.

وإذا كان مجلس شورى الدولة يسهر دائما” على مبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات وفي تحمل الاعباء العامة، وعلى مسؤولية الدولة عن نشاطها التشريعي الخاطئ والذي يتعرض لمبدأ مساواة المواطنين أمام الاعباء العامة، كما هي الحال في هذا القانون الجائر ويلزمها التعويض، فإن المجلس الدستوري، بسلطته السامية، يبطل مثل هذا القانون دون تعريض الدولة والسلطة التشريعية لتحمل مسؤولية تعويض تشريع كهذا.