قانون الايجارات الجديد غير نافذ للخطأ في نشره

من القواعد القانونية العامة أنه لا يسري أي عمل قانوني على أصحاب العلاقة ما لم يتم تبليغه إليهم بصورة صحيحة. فالانذارات تبلَغ بالبريد المضمون أو عن طريق الكاتب العدل. والدعاوى تبلَغ بواسطة مباشر أو شرطي أو الكاتب في قلم المحكمة. وتبلَغ القرارات الادارية بما فيها المراسيم الخاصة بواسطة الشرطة.

أما القوانين والمراسيم التنظيمية فهي لا تسري على العموم إلا بالنشر في الجريدة الرسمية وكذلك الاعلانات الرسمية فإنها تبلَغ إلى العموم بالنشر في هذه الجريدة.

ما هي الجريدة الرسمية ؟ أنها مطبوعة تصدرها المصلحة التي تحمل إسمها والتابعة للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء. وقد أصبحت إدارة الجريدة الرسمية مصلحة بموجب القانون المنفذ بالمرسوم رقم 10618 في 21 أب 1975 لكن مهمتها تحددت في “الفقرة د” من المادة 7 من المرسوم 2870 في 16 كانون الاول 1959 وهي:

“إدارة الجريدة الرسمية ونشر النصوص المطلوب إدراجها فيها وتأمين شؤون الطبع والتوزيع وحفظ المجموعات”. (التسطير مضاف)

أي أن لا نصا” ينشر في الجريدة الرسمية دون طلب من مرجع صالح. فمن طلب نشر قانون الايجارات في ملحق العدد 27 منها الذي يحمل تاريخ 26/6/2014 ؟ وهل أن هذا النشر صحيح وموافق للأصول ويستوفي شروط تبليغ العموم بمضمون القانون المذكور لجعله نافذا” عليهم ؟

القاعدة هي أن من يملك سلطة الامر بالنشر أو طلبه هو الجهة الرسمية التي أصدرت النص المطلوب نشره. وعلى سبيل المثال فإن إعلان بيع بالمزاد العلني صادر عن دائرة من دوائر التنفيذ لا ينشر في الجريدة الرسمية إلا بناء لطلب هذه الدائرة، وكذلك هو حال إعلان طلب بدل عن ضائع عن سند تمليك فهو لا ينشر إلا بناء” لطلب أمانة السجل العقاري.

وفي المثلين المذكورين، فلو جاء الطلب من صاحب العلاقة، أي من طالب التنفيذ في المثل الاول أو طالب البدل عن ضائع في المثل الثاني، وتم النشر فيكون هذا النشر قد تم خطأ ولا يعطي أي مفعول !

وفي حالة القوانين فإن المادة 56 من الدستور نصت صراحة على أن رئيس الجمهورية هو الذي يطلب نشر القوانين بعد أن يصدرها. أي أن سلطة رئيس الجمهورية في إصدار القوانين مستقلة عن سلطته في نشرها، وإن تلازمت معها. وهذا النص ساطع في أن طلب نشر القوانين هو من صلاحية رئيس الجمهورية دون سواه.

لكن المادة 57 من الدستور تجيز لرئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في القانون فيصبح في حلﹼ من أصداره وبالتالي نشره. وفي هذه الحالة فإن لمجلس النواب أن يقره بالغالبية المطلقة بعد مناقشته من جديد. وفي حال إنقضاء مهلة الشهر دون إصدار القانون أو إعادته يصبح القانون نافذا” حكما” ووجب نشره.

هكذا جاء النص.

ولأن رئيس الجمهورية بحسب المادة 56 من الدستور هو وحده الذي يمكنه أن يطلب النشر، فماذا يحصل إذا لم يطلبه كما حصل في حالة قانون الايجارات الجديد ؟ فمن هو الذي طلب نشره ؟

لم ينص الدستور على مرجع آخر لطلب النشر إذا لم يطلبه رئيس الجهمورية. ولا يجوز الاجتهاد عند وجود النص. وإن عدم نشر القانون يؤلف جريمة إساءة إستعمال السلطة مما يقع تحت طائلة المادة 60 من الدستور ويؤدي إلى المحاكمة أمام المجلس الاعلى. إلا أنه ليس في وسع المجلس الاعلى طلب النشر.

ولو إفترضنا جدلا” أنه يجوز الاجتهاد، مع وضوح النص الذي يحصر صلاحية طلب النشر في رئيس الجمهورية، فإن ذلك لا ينفي وجوب أن يكون هناك ودائما” طلب للنشر وأن هذا الطلب يجب أن يصدر عن مرجع صالح. فما هو المرجع الذي يحق له طلب نشر القانون الذي أحجم رئيس الجمهورية عن نشره؟ إن هذا المرجع هو مجلس النواب وحده دون سواه الذي يتولى السلطة الإشتراعية. وللمجلس أن يصدر قرارا” يلحظ فيه واقعة عدم النشر بمخالفة المادتين 56 و57 من الدستور ويطلب فيه من الجريدة الرسمية نشر القانون أو يأمرها بذلك.

وبالعودة إلى ملحق العدد 27 من الجريدة الرسمية المنوه عنه، فإن نشر قانون الايجارات تم مع مقدمة لا تحمل توقيعا” وهي مؤلفة من ثمانية فقرات وتنتهي إلى وجوب النشر. أكرر: أن هذه المقدمة لا تحمل أي توقيع ولا تقول من هو الذي طلب النشر وبالإختصار لا هوية لها. ولا بدﹼ أن هذه المقدمة صادرة عن رئيس مصلحة الجريدة الرسمية، وهي مصلحة من مصالح المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، أو أحد مرؤوسيه. وهذا الموظف لا يملك صلاحية طلب النشر بل هو من يتلقى هذا الطلب. ويكون من الثابت أن نشر القانون المذكور حصل دون طلب مرجع صالح، أي عن طريق الخطأ.

وإن هذه القاعدة هي مما لا يمكن التهاون فيه وإلا لحلﹼ موظفو الجريدة الرسمية محلﹼ السلطات كافة ومارسوا صلاحياتها بمجرد إدراجهم النص الذي يشاؤون في هذه المطبوعة دون تلقي أي طلب من المرجع الصالح دستورا” أو بحسب القانون.

فلا يكون نشر قانون الايجارات قد تم بصورة صحيحة بل عن خطأ فادح ولا يؤلف هذا النشر تبليغا” إلى العموم، وبالتالي إلى المحاكم، بأن القانون الجديد، هو نافذ حكما” ومعمول به.

وبالعودة إلى قانون أصول المحاكمات المدنية نجد أن المادة 2 منه تلزم المحاكم بتطبيق القوانين، أي القوانين التي تم نشرها بصورة صحيحة. ولا يمنع المحاكم من مراقبة صحة النشر بناء لطلب المرجع الصالح ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة المذكورة لجهة عدم جواز إعلان بطلان أعمال السلطة الاشتراعية لعدم إنطباقها على الدستور. فهذه مسألة مختلفة تماما”.

وعملا” بسابقة قرار المجلس الدستوري رقم 5/2014 في 13/6/2014 بعدم النظر في الطعن الموجه ضد قانون الايجارات لأنه لم يكتمل تكوينه، فإن على المحاكم أن تحجم عن تطبيق هذا القانون لأنه لم يتم نشره بصورة صحيحة بطلب من رئيس الجمهورية، وهو المرجع الصالح الذي أولاه الدستور صلاحية طلب النشر، ولم يصدر قرار بنشره عن المرجع الدستوري ذي الصلاحية الاشتراعية الاصلية وهو مجلس النواب.

وقد أثبت قرار المجلس الدستوري المنوه عنه وقوع خطأ مميت في صحة تكوﹼن قانون الايجارات نتيجة لعدم صحة” النشر” الأول. وهو يعادل ما يسمى في قانون أصول المحاكمات المدنية العيب الموضوعي الذي يؤدي إلى البطلان. وهو عيب لا يقبل التصحيح إلا إذا كان زال بإعادة النشر على وجه صحيح، قبل إصدار المجلس الدستوري لقراره المنوه عنه وذلك عملا بالنص الصريح للفقرة الأخيرة من المادة 60 أصول محاكمات مدنية. وهذه قاعدة عامة تتَبع عملا” بالمادة 6 منه. ويكون الوضع الدستوري المستمرﹼ للقانون المذكور بحسب قرار المجلس الدستوري هو أنه مولود طرح ناقص التكوين وبالتالي فهو ليس بقانون نافذ المفعول ولا يجوز للمحاكم أن تطبقه. ولا يحتاج الامر إلى طعن جديد أمام المجلس الدستوري.

وحتى في حالة صدور قرار عن مجلس النواب بنشره من جديد فإن مثل هذا القرار هو قابل للطعن لأنه يتعارض مع قرار المجلس الدستوري.

ولا حلَ إلا بإصدار قانون آخر مكتمل الشروط. علَ مثل هذا القانون يأتي عادلا وخاليا من العلل التي حفل بها القانون السيء الحظ والذي ولد ناقص التكوين بحسب ما أثبته قرار المجلس الدستوري.