لماذا أنا لست شارلي إبدو؟

تظاهر مئات الألاف من الناس في أوروبا والعالم، وربما الملايين، تعاطفا” مع المطبوعة الأسبوعية الفرنسية “ شارلي إبدو ”. ورفع الكثيرون منهم شعار “ أنا شارلي إبدو ”. وإمتد هذا التضامن الى بيروت حيث تجمع بعض اللبنانيين ورفعوا هذا الشعار.

ودون أي تأييد للهجوم الذي تعرضت له “ شارلي إبدو ” في مكاتبها في باريس ، فإن بعض الكتّاب في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا نشروا مقالات تحت شعار: “ أنا لست شارلي إبدو ”. وهم إما إستنكروا ان تحصل “ شارلي إبدو ” على هذا التعاطف دون أن يستهجن المتعاطفون مضمون نشاطها أو أنهم إستغربوا أن يتجاهل المتعاطفون البيئة المعاصرة والتاريخية، السياسية منها والاقتصادية، التي إستولدت هذا الهجوم.

I

ومن جهتي، فإنه لا يمكنني التعاطف مع “ شارلي إبدو ” أو إعلان أنني “ شارلي إبدو ” لأن مشروعها لا يؤلف تعبيرا” حرا” يستحق الحماية عملا” بقاعدة حرية التعبير بل هو في أحسن إحتمالاته منبر للإعتداء على الكرامة الانسانية والآداب العامة التي يحميها القانون وهو في أسوأ هذه الاحتمالات يؤلف عملا” من أعمال الحرب.

فإن قانون العقوبات الفرنسي هو أكثر شدة وتفصيلا” من قانون العقوبات اللبناني، ذي الأصل الفرنسي، في حماية الكرامة الإنسانية والآداب العامة. فهو، أي القانون الفرنسي، يحتوي على فصل خاص بالجرائم ضد كرامة الناس وهو الفصل الخامس الذي يبتدئ بالمادة 225 منه، وفيه المادة 226 – 8 التي تعاقب بالحبس سنة واحدة وغرامة 15,000 يورو على نشر مونتاج لصورة شخص دون موافقته، وتعاقب المادة 10 – 226 على الافتراء بنشر معلومات كاذبة من شخص محددة هويته وتعاقب المادة 22 – 226 منه على نشر معلومات تؤلف تشهبرا” بالشخص. حتى ان المادة 7 – 225 منه تعاقب على التمثيل بالجثث أو تدنيس المقابر.

أما قانون العقوبات اللبناني فإنه يعاقب على التحقير والقدح والذم الموجه الى الموظفين والقضاة كما يعاقب على القدح والذم بأحد الناس دون أن يجيز تبرير الفعل بإثبات حقيقته حتى ولو إشتهرت، حتى ولو وجه الفعل الى ميت. وفي هذا القانون فصل هو الفصل الاول من الباب السادس ويحمل عنوان: في الجنح التي تمس الدين، ومنها التجديف على إسم الله وتحقير الشعائر الدينية أو الإزدراء بها والتعدي على حرمة الاموات.

ولا شك ان أفعال “ شارلي إبدو ” بالكلمات والرسوم المسيئة للإسلام وللنبي عمدا” هي مما يعتبره المسلمون عامة، وعن حق، تحقيرا” لمعتقدهم ونبيهم وبالتالي تحقيرا” لهم وإعتداء” على كرامتهم الانسانية والآداب العامة التي يحق لهم صيانتها. وأنني شخصيا”، وهيئات وجمعيات مدنية كثيرة في أوروبا وأمريكا والعالم، من هذا الرأي.

II

كما أن أفعال “ شارلي إبدو ” قد تبدوا وكأنها مشاركة دعائية في أعمال حربية تعرض ويتعرض لها المسلمون تاريخيا” وفي العصر الحاضر. فقد إستحضر أحد الكتّاب الصحفيين الإنكليز بمناسبة حادثة “ شارلي إبدو ” حروب الجزائر التي إمتدت من العام 1830، حين بدأ الهجوم العسكري الفرنسي عليها لإحتلالها، والعام 1962 حين تم إستقلالها.

وفي هذه الأثناء تعرض الجزائريون لأبشع أنواع المجازر والتعذيب ومات منهم الملايين قتلا” وتعذيبا”، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قتل عشرات الألاف في مدينة سطيف وجوارها في العام 1945 بعد أن فتح الفرنسيون النار على مسيرة كشفية وشعبية كانت تحتفل، نعم تحتفل، بإنتصار الحلفاء، ومنهم فرنسا، في الحرب العالمية الثانية، التي حارب المغاربيون فيها ضمن الجيش الفرنسي، بسبب ان الجمهور هتفت بشعار: الجزائر حرة.

وفي العصر الحاضر فإن آلات الحرب الاوروبية والامريكية، ومنها الفرنسية، أو المصنوعة فيها والمقدمة إلى إسرائيل، صبت أو تصب حممها على المسلمين في فلسطين وأفغانستان وباكستان والصومال واليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان. كما أن فرق القتل الخاصة أو السرية التابعة لبعض تلك الدول تمارس اعمال الخطف والارهاب والاغتيال بلا أي رادع.
فلا عجب أن يكون من الممكن وضع كل هذه الاعمال الحربية في خانة واحدة تحت عنوان جامع هو: الحرب على المسلمين، وإعتبار ان نشاط “ شارلي إبدو ” العدائي بشدة يؤلف جزءا” لا يتجزأ من الحرب الإعلامية المتزامنة مع الاعمال العسكرية المذكورة. ولو أن جوزف غوبلز، وزير الدعاوة الالماني في حكومة أدولف هتلر، الذي كان يدير المجهود الإعلامي الألماني عبر وسائل الإعلام ضد الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، بقي على قيد الحياة لتمت محاكمته عسكريا” من جانب الحلفاء في محكمة نورمبرغ ولتم إتهامه بجرائم الحرب ولكان، بلا أدنى شك، حكم عليه بالإعدام.