أنا لست شارلي إبدو ولكنني أرفض حكم الإعدام ـــــ بقلم المحامي الأستاذ جميل واكد

تلقيت من الزميل الاستاذ جميل واكد الكتاب التالي رداً على مقالي بعنوان ‘‘ لماذا أنا لست شارلي إبدو ’’ وإرتأيت إطلاعكم عليه دون تعليق.

حضرة الأستاذ محمد مغربي المحترم

أنا أتلقى من وقت لآخر عبر بريدي الإلكتروني رسائل من جانبكم هي كناية عن مقالات تبحث في مواضيع شتّى وإنني استمتع بقراءة المقالات المذكورة والإطلاع على آرائكم المعبّر عنها فيها رغم عدم إتفاقي معكم حول بعض تلك الآراء.

ولكن المقال الحالي موضوع هذا الرد قد إستفزني في محتواه لا فقط بسبب ذكره أفكارا” عن إضطهاد المسلمين في العالم وتصويره شارلي إبدو وكأنّ لا شغل له سوى إهانة الإسلام والمسلمين حول العالم دون سائر الديانات ، بل وأيضاً بسبب إختصاره تاريخ العالم بإضطهاد المسلمين دون غيرهم.

فيا حضرة الأستاذ الكريم،

أودّ في البداية أن أُشير إلى أنني أفتخر بصداقات جميلة جداً مع إخوة وأصدقاء ومع موكلين لي من الطوائف الإسلامية على تنوعها كما أنني أؤمن بفكرة العيش المشترك لا بل العيش الواحد بين جميع المواطنين والمساواة بين الجميع أمام القانون.
وهذا ولا شك عامل مشترك بيني وبينكم.

أمّا بعد،

فإنّ ملاحظاتي حول مقالكم الأخير – وعلى الأخص إنطلاقاً من كونكم حسبما أعرف عنكم من أصحاب النظرة المدنيّة والمعتدلة ومن المطالبين بالحريّات العامّة – تنحصر في المبدأ بنقطتين أساسيتين:

أولاً – في موضوع شارلي إيبدو

إنني أؤيد الآراء القائلة برفض تبنّي عبارة ‘‘ أنا شارلي إبدو ’’ رغم رفض الهجوم على شارلي إبدو في مكاتبها في باريس.
إلاّ أنّ إختصار الموضوع من قبلكم بكون عمل شارلي إبدو يسيء إلى المسلمين دون ذكر سواهم هو من باب ذرّ الرماد في العيون وإخفاء جزء من الحقيقة ( وأنا متأكد بأن ذلك غير مقصود من قبلكم ). فإساءات شارلي إبدو قد طالت المسيحيّين بقدر ما طالت المسلمين. وأعتقد أنكم ولا شكّ قد إطلعتم على بعض رسمات شارلي إبدو المسيئة للّه وللثالوث الأقدس والكتاب المقدّس وللسيّدة العذراء. وهي بقدر عالٍ وغير مقبول من التجريح والإساءة.

فلا مبرّر للتصوير وكأنّ شارلي إبدو قد أساء فقط إلى المسلمين، لا فقط للأمانة التاريخية والواقعية بل وأيضاً لقطع الطريق على المتطرفين الذين قد يحلّلون هذا الكلام عن خطأ وكأنه يتحدّث عن هجوم من الغرب المسيحي على الإسلام.

ثانياً – في الحديث عن أعمال حربيّة ضد المسلمين :

بغضّ النظر عن صحّة أو عدم صحّة ما ذكرتموه من أحداث تاريخية تحت هذا العنوان ، إلا أنّ التصوير وكأنّ العالم الغربي ( الذي سيتم فهمه في العقل المتطرّف وعن خطأ بالعالم المسيحي ) هو في حرب ضدّ الإسلام، هو تبسيط للسياسة العالمية وللأحداث وفيه تعمية وتعتيم على وقائع أخرى تناقض هذه النظرة.

فأودّ أولاً الإشارة إلى كون العالم الغربي وعلى الأخصّ الأوروبي لا يمثل المسيحية بل العلمانية وهو أساء إلى المسيحيّة أكثر بكثير ممّا أساء إلى الإسلام.

وتكفي العودة إلى فترة ما بعد الثورة الفرنسيّة وغيرها من الثورات التي عاصرتها ولغاية اليوم والتدقيق في كلّ ما له علاقة بالكنيسة وحريّة تحرّكها كي نكتشف وجود فوبيا ضد المسيحّية وضدّ الكنيسة في أوروبا وأنّه قد جرى في أوروبا قتل وإضطهاد كلّ من يُعلن تمسّكه بمسيحيّته وجرى إقفال مئات آلاف المدارس المسيحيّة والكاثولكية تحديداً كما جرت مصادرة أملاك الكنيسة وذلك بضغط من الحركة الصهيونية العالمية .
وفي المقابل، جرى في أوروبا إستقبال المسلمين الهاربين من دولهم بسبب الإضطهاد وحصلوا على الجنسية وعلى العمل وعلى حياة الرفاهيّة والإحترام واستمتعوا بالحريّات وأفادوا الدول التي يعيشون فيها كما حصلوا من جهتهم على تقدمات ومساعدات من الدول الأوروبيّة لممارسة حريتّهم الدينيّة ولإقامة مساجد لهم فيها.

ثمّ يخرج المسلمون المتطرفّون هناك ليُكفّروا شعوبها ويعملوا على زعزعة أمنها. وهذا إنكار للجميل.

فيا حضرة الأستاذ الكريم،

ألا تطنوّن أنّ الإسلام المتطرّف في العالم قد أساء ويُسيء إلى الإسلام أكثر من الإساءات التي تأتيه من الآخرين؟!!!
ألا تظنّون أن الدول العربية والإسلامية قد عانت وتُعاني من قمع للحريّات وإنتشار للأميّة بفعل إستغلال الحكومات للدين في تأليب المواطنين على بعضهم البعض وتلهيّ الحكّام في تأمين الرفاهية لأنفسهم مقابل إذلال شعوبهم وقمعها؟!!!

ألا تظنون أنّ الفتاوى المتطرفة والمركزّة في جزء كبير منها على قضايا تكفير الآخر وعلى القضايا الجنسية هي ما يُسيء إلى الإسلام أكثر ممّا يُسيء إليه رسم كاريكاتوري في صحيفة؟!!!

هل يُبرّر وجود رسمات شارلي إبدو في صحيفة في بلد علماني أعمال الهمجيّة وحرق الكنائس وإضطهاد المسيحيّين في نيجيريا وغيرها من الدول؟!!!
وما الذي يُبرّر التطهير الديني الذي يواجهه المسيحيّون في العراق وسوريا وغيرها من الدول العربية والإسلاميّة؟!!!

إنّ الإستمرار في الحديث عن إضطهاد الإسلام والمسلمين حول العالم هو في غير محلّه وهو يُغذّي التطرّف ويبررّه.
فما الذي يمنع المسلمين المتطرّفين من العيش بسلام مع الشعوب الآخرى؟!!! وحتى مع أبناء شعبهم من الأديان والطوائف الأخرى ؟!!! ولماذا هذا الإنتشار الكبير للتطرّف الإسلامي حول العالم؟!!!

فالإسلام المتطرّف يتحرّك في الدول الإسلاميّة ضدّ أبناء شعبه أنفسهم وضدّ أبناء طائفته ممّن لا يؤيّدونه، كما يتحرّك أيضاً وبنفس الإندفاع ضدّ مواطنيه الجدد في الدول الآخرى التي إستقبلت المسلمين وقدّمت لهم كلّ وسائل العيش الكريم.
ألم يحن الوقت الذي سيتبّنى فيه الإسلام المعتدل نهجاً واضحاً وعالي النبرة ومدافعاً عن الإسلام ومناضلاً في وجه الإسلام المتطرّف وكلّ أشكال التطرّف حول العالم؟!!!

ألم يحن الوقت كي نضيء على المواقف الجريئة التي تصدر عن المراجع الكنسيّة والمدافعة عن السلام وعن القيم المشتركة وكرامة الأديان، كالتصريح الأخير لقداسة البابا فرنسيس حول قضيّة شارلي إبدو إذ رفض رفضاً كلّياً أعمال ونشاط الصحيفة وقال بشكل صريح لا يمكنك الإساءة إلى معتقدات الآخرين وإدعّاء ممارسة الحريّة؟!!!

ألم يحن الوقت كي نتحدث بلغة إنسانية في مواجهة التطرّف بدل الحديث بلغة تبريريّة أحياناً وبلغة طائفية أحياناً أخرى؟!!!

حضرة الأستاذ الكريم،

أنا أرفض حكم الإعدام الذي أصدرتموه بطريقة غير مباشرة بحق شارلي إبدو في خاتمة مقالكم وذلك بقدر رفضي لرسماته: فأنا لا أعتقد أنّ أيّاً من النصوص القانونية التي ذكرتموها في مقالكم تعاقب أفعاله بعقوبة الإعدام !!!

ولم أكن أسمح لنفسي بإرسال ردّي الحاضر إليكم لولا معرفتي الأكيدة بسعة صدركم وإطلاعي على آرائكم المؤيّدة للحريّة المسؤولة وللعيش المشترك ولولا معرفتي بأنكم من أصحاب الفكر النيّر والمؤثّر في مجتمعنا، فعسى أن يكون هذا التأثير إيجابياً وأن يبقى هذا الفكر واسع الأفق وساعياً إلى السلام والخير العام.