وزير العدل: قاضيان إلى التأديب

(جريدة الأخبار 4 حزيران 2013)

قال التفتيش القضائي كلمته في قضية شبكة المخدرات في الجامعات. جاء القرار بإحالة قاضيين إلى مجلس التأديب القضائي، مع توصية بإيقاف أحدهما عن العمل منذ الآن إلى حين صدور القرارات النهائية. لا حديث اليوم في العدلية إلا عن هذه القضية. الكل هناك بين صامت و… متحسّس رأسه محمد نزال

فعلها شكيب قرطباوي. وزير العدل، وهو في مرحلة تصريف الأعمال، وفى بوعده الذي قطعه للرأي العام. فبعد 4 أيام على إثارة «الأخبار» قضية فساد قضائي_أمني في ملف شبكة مخدرات،في تقرير تحت عنوان «قضاة وضباط يحمون شبكة مخدرات: ابن «النافذ» يفلت من العقاب»، وبعدما أكد قرطباوي أن نتائج التحقيقات ستظهر خلال أيام، أصدر أمس بياناً جاء فيه: «لقد انكبّ التفتيش القضائي بسرعة كبيرة وبشمولية على التحقيق في ما أثير.

وبنتيجة هذا التحقيق الشامل، قررت هيئة التفتيش القضائي إحالة قاضيين على المجلس التأديبي، مع اقتراح رفع من قبل إلى وزير العدل بتوقيف أحدهما عن العمل. وانطلاقاً من هذا الاقتراح، وعملاً بأحكام المادتين 90 و106 من المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 (قانون تنظيم القضاء العدلي)، فقد قرر وزير العدل توقيف القاضي المذكور عن العمل».

الخطوة ليست عادية. القرار غير مألوف، لا في السرعة ولا في المضمون، داخل البيئة القضائية. ففي اليوم الذي أثيرت فيه القضية، دعا قرطباوي هيئة التفتيش القضائي بكامل أعضائها، وعددهم تسعة، إلى اجتماع فوري. طلب إليهم المباشرة في التحقيقات، حيال القضاة الذين يشتبه في تورطهم في قضية إخلاء سبيل مروّجي مخدرات، فكان الاجتماع «صاخباً». أهل العدلية يعرفون أن القضايا لدى «التفتيش» مكدسة، ومنها لم يُرفع عنها الغبار منذ سنوات، وبالتالي لا يريد الوزير لقضية المخدرات أن يكون هذا مصيرها. وبالفعل، صدر القرار، بسرعة قياسية، بعدما أصبحت القضية على ألسن كل القضاة والعاملين في العدلية خلال الأيام الماضية.

يرفض قرطباوي أن تُعمّم صورة القاضي «السيّئ» على كل الجسم القضائي، بل إنه يشير إلى أكثرية من أهل الاستقامة، ولهذا ذكر في بيانه أنه «إنصافاً للقضاء والحقيقة، فإن الاكثرية الكبيرة من القضاة تقوم بواجبها بكل نزاهة وصدق. وإن أي تعميم معاكس يخالف الحقيقة من جهة، ويساهم في النيل من هيبة وصدقية السلطة القضائية من جهة أخرى، وفي ذلك إضرار بالوطن». كان لافتاً إشارة البيان إلى القاضي بلال الضناوي، أحد المحامين العامين في القضية، الذي كان له دور بارز في فضح ما كان يجري، وذلك بعد «المواجهة» التي حصلت بينه وبين رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي. بيان الوزير لم يسم الضناوي بالاسم، لكنه أشار إلى أن دوره «ما هو إلا دليل على صحة عدم التعميم، وأن ثمة قضاة يعملون بكل نزاهة».

لم يذكر قرطباوي في بيانه اسمَي القاضيين الذين أحيلا على التأديب، علماً بأنهما باتا معروفين، وقد ذكرتهما «الأخبار» في العدد الذي أثارت فيه القضية. هما قاضي التحقيق في بيروت جعفر قبيسي ورئيسة النيابة العامة في بيروت بالوكالة القاضية رندى يقظان. كلاهما أصبحت أوراقه لدى «المجلس التأديبي». هناك ستقرر العقوبة النهائية لكل منهما، لكن مع فارق أن قبيسي لن يسمح له بمزاولة العمل إلى حين صدور قرار التأديب، بينما تبقى يقظان تشغل منصبها بانتظار القرار. في هذا الإطار، أكد قرطباوي لـ«الأخبار» أن لديه «ثقة كبيرة بالمجلس التأديبي الذي يعمل فيه ثلاثة من أنزه القضاة، والذين عملت معهم لفترة كانوا خلالها لا يحيدون عن العمل وفقاً للقانون، بعيداً عن أي تسييس أو محسوبيات، هذه شهادتي فيهم والآن نترك القضية بين أيديهم».

إلى ذلك، كان الوجوم سيد الموقف أمس في عدلية بيروت. خطوة «التفتيش» أعقبتها صدمة في الجسم القضائي برمته. غادر القاضي قبيسي أمس مكتبه بهدوء. أحد القضاة يصف الجو هناك بالآتي: «الفضيحة في هذه القضية شرعت الأبواب لكشف المزيد من الفضائح، واليوم كل متورط تجده في حالة ارتباك داخل العدلية… كلهم يعلمون أنه في مقابل قضية تكشف يوجد مئات بل آلاف القضايا المغطى عليها». أحد المتابعين للقضية، لفت إلى أن «التفتيش» في إطار تحقيقاته، تكشّفت لديه معلومات و«فضائح» إضافية لم يكن أحد قد سمع بها سابقاً، ولكن «سيأتي أوان كشفها لاحقاً».

السؤال الأبرز في العدلية، خلال الأيام الماضية، كان «الدور الآن على من؟». ما كان ليكون هذا السؤال هو الأبرز لولا أن الفساد بات ينتشر هناك على نحو واسع، وطبعاً مع عدم جواز التعميم في مطلق الأحوال. في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن ثمة قضايا، ذات عناوين مختلفة، تتابع حالياً لدى «التأديب القضائي» ويحتمل أن تصدر فيها قرارات نهائية قريباً. هذا ما أكده قرطباوي أيضاً، إذ أشار إلى أن «من الأهداف الأساسية التي وضعتها، منذ تولي الوزارة، تشجيع الأجهزة القضائية وتأييدها في سياسة محاسبة متشددة». وذكّر الوزير بما حصل سابقاً لناحية الاجراءات التأديبية التي صدرت بحق عدد من القضاة، من بينها حتى الآن صرف قاضيين من الخدمة (في غير قضية المخدرات)، إضافة إلى اتخاذ قرارات بتوقيف 5 قضاة عن العمل، بناءً على اقتراح التفتيش القضائي.

يوم أمس، وبعد شيوع خبر القاضيين، وصلت إلى «الأخبار» عبر البريد الإلكتروني الكثير من الرسائل من داخل السجون، وتحديداً من سجن رومية، تحمل جميعها شكاوى من قاض متقاعس من هنا، أو مرتش من هناك، وما بينهما قضاة محسوبون على جهات سياسية ينفذون رغباتها على حساب القانون. هذه الشكاوى ستنقل إلى وزير العدل، ومن خلفه إلى التفتيش، على أمل أن تخرج بنتائج سريعة كما حصل في قضية المخدرات.

عن هذه المسألة، أوضح قرطباوي أن «محاسبة القضاء لنفسه سياسة قائمة وستستمر وتتكثف، ولا تراجع عنها في أي ظرف من الظروف. وإنني آمل من السياسيين ومن الإعلام الذي يواكب عمل القضاء أن يبقوا منصفين تجاهه، ومدافعين عن استقلاليته، وألا نستبق التحقيق في أي قضية، وخصوصاً أن القاضي في حاجة الى العمل في جو من الهدوء والصفاء».