شبكة المخدرات: «العدل» يؤكد و«الأمن» ينفي

(جريدة الأخبار الجمعة 31 أيار 2013)

وزير العدل يكشف أنه كان قد «سمع» بفضيحة شبكة المخدرات في الجامعات. أمس، أحال القضية على التفتيش، في المقابل، قوى الأمن تنفي وتقول إنها «معلومات عارية عن الصحة». وزير الداخلية يستدعي، والقاضي حاتم ماضي يوضح، والكل بانتظار انتهاء التحقيقات… أيام قليلة ونرى . ككرة ثلج، خلال 24 ساعة، تدحرجت وكبرت قضية شبكة الإتجار بالمخدرات بين طلاب الجامعات. معلومات جديدة ظهرت، وربما ستظهر بعد. كثيرون من المعنيين رفضوا ما أثارته «الأخبار» أمس، وكثيرون أيدّوا وأكدّوا، وكثيرون دعوا الى «فتح تحقيق وانتظار النتائج». ربما لا أحد مخوّلاً الحديث عن مسار القضية، اليوم، بقدر وزير العدل شكيب قرطباوي، الذي «يخضع قضاة النيابات العامة لسلطته»، بحسب نص القانون. فبعدما ضجّت العدلية، بين قضاة ومحامين وموظفين، بأسماء القضاة «المتورطين» في تنفيذ رغبات أحد النافذين، أرسل قرطباوي رسالة إلى «الأخبار» قطع فيها شك المشككين باليقين. في رسالته يقول: «الموضوع الذي تمحور حول التحقيق الصحافي كانت قد وصلت بعض أصدائه إلى مسامعي، وقد بادرت إلى الطلب من التفتيش القضائي إجراء التحقيق فيه بسرعة كبيرة، عملاً بالأحكام القانونية التي تعطيني حق إحالة أي شكوى تردني إلى التفتيش.

وإذا كان لا يحق لي أو لغيري اصدار الأحكام سلفاً، حول نتائج التحقيق، إلا انه يمكنني أن أؤكد بشكل جازم انه سيكون سريعاً ومعمقاً وشاملاً، من دون أي تهاون لأي سبب كان، ومع أي كان. لن أتوانى عن مصارحة الرأي العام بالنتائج عند صدورها بقدر ما يسمح به القانون».

هكذا وعد الوزير اللبنانيين بتحقيق شامل في القضية مع مصارحة ومكاشفة. وفي اتصال له مع «الأخبار»، ردّ قرطباوي على سؤال، بالقول إن التحقيقات «لن تطول وهي مسألة أيام وانتظروا لتروا. فكما فعلنا سابقاً، بمعية التفتيش والتأديب وتم صرف قضاة من الخدمة، هذه المرة لن تنقصنا الشجاعة لخطوات مماثلة، ولكن شرط انتظار التحقيق الذي أكرر أن نتائجه ستظهر خلال أيام قليلة». كلام إيجابي من قرطباوي، يعلله بكون القضية ليست صراعاً سياسياً أو حزبياً، إذ إن «الحديث يدور حول شبكة مخدرات داخل الجامعات، وهذه تطالنا جميعاً، هؤلاء أولادنا الذين تُدمّر حياتهم، وهؤلاء هم الجيل الذي نتوقع بناء البلاد على يديه، ولهذا فإن الصدمة كبيرة».

في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن قرطباوي جمع هيئة التفتيش القضائي، أمس، بكامل أعضائها، ودار نقاش واسع حول القضية. مصادر متابعة أكّدت أن الجو كان صاخباً، كما كانت كل الاجتماعات التي عقدت أمس في العدلية، إلى حد ارتفاع أصوات بعض القضاة وسماعها من خلف الأبواب. كانت القضية الشغل الشاغل للقضاة أمس، بمختلف ميولهم، فمنهم من تعاطف مع «المتورطين»، ومنهم من طلب مزيداً من «الفضح». وبعضهم توعّد بكشف مزيد من المعلومات التي تكشف «حالة الاهتراء التي يعيشها المرفق القضائي».

يشير بيان قرطباوي الموجّه الى «الأخبار» إلى أن «في كل مؤسسة أو جسم هناك شوائب. ولا أخفي ولم أخف يوماً أن في القضاء شوائب. لكن المكافحة ستستمر مهما كانت الظروف». ويضيف: «اننا متفقون معاً على أن التعميم في أي موقع أمر ظالم جداً، ولذا يقتضي التنويه بالأكثرية الكبيرة من القضاة التي تقوم بواجبها على خير وجه». قرطباوي يرى أن أكثرية القضاة من أهل الاستقامة، بينما «أهل الشوائب» هم الأقلية. عموماً هذا محط جدل بين أهل العدلية أنفسهم، حول من هي الأكثرية ومن هي الأقلية، إذ ثمة قاض «عتيق» كان يردد أمس: «هذه العدلية برمتها أصبحت فاسدة، وأنا أنتظر اللحظة التي أجد عملاً آخر لأغادرها بلا أسف، لكن مع أسفي الشديد لما وصلت إليه صورة القاضي عندنا».

قوى الأمن تنفي!

من جهة ثانية، عممت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً، رداً على ما أثارته «الأخبار» أمس. واللافت أن بيان «الأمن» جاء مغايراً لبيان «العدل». ففيما يشير قرطباوي إلى واقع يعد بمعالجته، تنفي قوى الأمن الداخلي الشق الذي يخصها، إذ «تضمن خبر الصحيفة عبارات تسيء لسمعة العاملين في مكتب مكافحة المخدرات، وتحديداً شخص رئيسه (العقيد عادل مشموشي) والجهاز القضائي بصورة عامة، وذلك من خلال ادراج معلومات عارية عن الصحة وتجافي الحقيقة». من حق المديرية أن تنفي، لكن، «الأخبار» تؤكّد أن ما نشرته نقل مباشرة عن المعنيين بالقضية، فضلاً عن وروده في التحقيقات التي في حوزة قوى الأمن والنيابة العامة، وهذه كلها اليوم لدى التفتيش القضائي. وتلفت المديرية في بيانها إلى ان «التحقيق لا يزال مستمراً بموجب محضر إلحاقي في مكتب مكافحة المخدرات، لكشف باقي المشتبه فيهم وتوقيفهم، والجدير ذكره أن التواصل بين الضابطة العدلية والنيابات العامة يتم بمستوى عال من المسؤولية والاحترام المتبادل، وليس كما أوحى المقال».

في هذا الإطار، يُذكر أن وزير الداخلية مروان شربل استدعى قبل سفره إلى تركيا، أمس، المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد روجيه سالم، ورئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي، للبحث بما أثير عن دور المكتب في القضية. بعض الحاضرين شاهد مشموشي خارجاً من مكتب شربل والابتسامة على وجهه. لاحقاً، وبحسب مصادر في قصر العدل، تبيّن أن لدى العقيد رغبة بالادّعاء على «الأخبار» بواسطة وزارة الداخلية. اتصل الوزير بالمدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي حاتم ماضي، الذي لا يبدو أنه سيسير بدعوى من هذا النوع، لكنه بهدف «تهدئة الخواطر»، أصدر بياناً جاء فيه: «بعد الاطلاع على ملف القضية، مع التحري عنه لدى المكتب المختص بالتحقيق، تبين ان هذا المكتب (المخدرات) قام بتحقيقاته وفق الاصول، خاصة لجهة تنفيذه الاشارات الصادرة اليه من القضاء المختص». مصادر العدلية تؤكد أن ماضي اكتفى بالبيان، ذلك لأنه «يعرف طبيعة الملف وما فيه من تورط وشوائب، وبالتالي الأفضل عدم الذهاب بعيداً لمصلحة المعترضين أولاً».

وبالعودة الى بيان مديرية قوى الأمن الداخلي، فإنه تضمن توضيحاً لناحية أن «ضباطها وعناصرها يقومون بالواجبات الملقاة على عاتقهم بكل مسؤولية وحزم، وفق الإمكانات المتاحة في إطار التصدي لآفة المخدرات والضالعين فيها، وهي لا تتوانى عن اتخاذ التدابير اللازمة بحق المقصرين إذا ثبت ذلك، وهي تهيب بإدارة الصحيفة احترام سرية التحقيقات العدلية واستقاء المعلومات من مصادرها القضائية حرصاً على عدم تضليل الرأي العام». وهنا لا بد من الإشارة إلى أن «الأخبار» لم تستق معلوماتها سوى من المصادر القضائية. وتختم المديرية بذكر انها «أوقفت منذ مطلع العام الجاري ما يزيد على 1300 مشتبه فيه في قضايا المخدرات، وكل محاولات التعرض للضابطة العدلية لن يثنيها عن متابعة جهودها في ملاحقة المجرمين والمطلوبين للعدالة».

هكذا، تدخل قضية «شبكة المخدرات» مرحلة من التحقيقات، التي ستواكبها «الأخبار»، بناء على وعد وزير العدل، وما رشح من معلومات أكثر ستكشفها الأيام القليلة المقبلة.