أيّ مصير ينتظر “ المعجزة ” اللبنانية ؟

I – لا يكفي التعبير عن الظلم

1 – ما تزال الاعتصامات الجماهرية الغاضبة ناشطة على الاراضي اللبنانية. وقد اتاحت هـــــذه الظاهرة للكثير من الناشطين التعبير عن ما حلّ بهم، أو ما يساورهم الشعور به، من ظلم ووجع حقيقيين. إلا ان هذا التعبير الصادق لم تصاحبه طلبات سوى إزالة اسباب الشكوى التي تم حصرها بإسقاط “ النظام ” المشكو بإفتراض انه المصدر الوحيد تلك الاسباب. وهذا الاستنتاج غير دقيق. فإن الشكوى من “ النظام ” لا تكفي ولا تكفي المطالبة بإسقاطه.

2 – ويا حبذا لو أمكن للجماهير الاطلاع على بعض الاسباب الخطيرة للازمة الحقيقية التي هي ايضاً من اسباب معاناتهم بل وتهدد مستقبلهم ومصير البلاد، ومنها اسباب تاريخية ولا يمكن ان تنسب الى “ النظام ” وحده، وذلك من اجل صياغة مطالب حقيقية في الجوهر تقيهم ما يتربص بهم من شرّ.

3 – فألفُتُ الجماهير الغاضبة، باديء ذي بدء، إلى خمسة أقوال، تعبّر بشكل أو بآخر، إن أضيفت الى شكاويهم، عن أحوال البلاد أو تضيء عليها، وهي:

القول الاول: هو الذي نُسب الى الخبير الهولندي بول فان زيلاند، وهو رئيس وزراء سابق ورجل اقتصاد مشهور في بلاده، وكان تم استدعاؤه اثناء ولاية الرئيس بشارة الخوري لاعطاء مشورة في شأن الاقتصاد اللبناني. وبعد ان مكث في بيروت فترة من الزمن لدراسة ما هو متوافر من معطيات واحصاءات اقتصادية توصل الى ان الارقام تظهر البلاد في حالة شبه افلاس لكنه كان يجابه بالقول ان في لبنان “ معجزة ” حقيقية لان هناك معطيات لا تشملها الاحصاءات وتثبت أن الاقتصاد الوطني متين وفي حالة ازدهار لا مثيل له. فتوصل يائساً الى اعطاء الحكومة اللبنانية المشورة التالية: لا أعرف ان انصحكم بشيء سوى الاستمرار بفعل ما تفعلونه.

القول الثاني: هو الذي جاء في بيان مشترك صادر عن رئيس الجامعة الامريكية ورئيس الجامعة اليسوعية في 25 تشرين الاول 2019:

“ ان ما يعيشه لبنان حالياً هو صرخة وطنية حقيقية، وهي اكبر حركة احتجاج وطنية موحدة منذ العام 1943، صرخة تعبر بعمق عن آلام وحاجات شعبنا ورغبته غير المحدودة في اعادة بناء بلادنا على اسس جديدة.

  ان جامعتينا المخلصتين تاريخياً لبناء الكيان اللبناني منذ انشاء لبنان الكبير في العام 1920، لا يمكنهما إلا مشاركة التزام الهيئة التعليمية والطلاب والاداريين والخريجين الذي يشاركون في النضال من أجل حقوق كل اللبنانيين دون استثناء ”.

القول الثالث: هو ما جاء في مقال حديث تحت عنوان: “ الانتفاضة اللبنانية لن تنجح ما دامت النخبة الطائفية هي المسيطرة ” نشرته صحيفة الاندبندت للكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك في 28 تشرين الاول 2019، وهو يقيم في بيروت منذ زهاء 40 عام، الذي توصل الى ان الوسيلة الوحيدة لانشاء دولة عصرية هو ازالة الطائفية منها بحيث ان أي مواطن يمكنه الوصول الى اي منصب حكومي. اما إذا أُنشأت دولة طائفية فإنها سوف تبقى طائفية. لذا فإن ازالة الطائفية من لبنان سوف تؤدي الى محو دولته من الوجود، لان الطائفية هي هوية لبنان. وجاء ايضاً في مقالة فيسك استنكار ان يكون صهر رئيس الجمهورية زعيماً لحزب سياسي وان يكون رئيس الوزراء ابن رئيس الوزراء الذي سبقه وهكذا دواليك.

القول الرابع: هو ما جاء في رسالة تلقيتها يوم 22 تشرين الاول 2019 من اكاديمي لبناني كبير مقيم في الخارج احتفظ بتسميته:

“ اوافقك على ضرورة اعادة دراسة الافكار التي هي من جذور النظام اللبناني. إذ لدينا تكنولوجيا كثيرة تنتج رسوماً جميلة ولكن مع افكار قليلة.

  فليست المسألة فساد السياسيين فحسب بل هي ايضاً فساد الافكار التي اوصلتنا الى ما نحن عليه. فإن النظام يوصف بشكل خاطئ ويساء فهمه ويتم تطبيقه بأسوأ وسيلة ممكنة ”.

القول الخامس: هو ما جاء في كلمة القاها السيد محمد حسين فضل الله في أوائل التسعينات (لا أدري التاريخ بالضبط):

“ اننا نخاف من الناس ان يفكروا، نحن الذين نعتبر انفسنا خطأً او صواباً في مواقع القيادة وفي مواقع المسؤولية في الدين والسياسة والاجتماع. نحن نخاف من الناس ان يفكروا ولذلك فإننا نمنعهم من التفكير ونقول لهم سنقدم لكم الافكار جاهزة مطبوخة فلا تتعبوا انفسكم ”.

II – دور الجامعتين الاجنبيتين

4 – لا شك ان الجامعتين الامريكية واليسوعية هما أقدم معاهد التعليم العالي في لبنان، وقد اسسهما مبشرون في القرن ما قبل الماضي. وبصرف النظر عن جذورهما الاجنبية الدينية المستمرة فان الجامعتين تعتبران نفسيهما ايضاً، كما يظهر من البيان المذكور، لبنانيتين، إذ يتحدث البيان الصادر بإسميهما عن الآم وحاجات شعبنا ورغبته غير المحدودة في إعادة بناء بلادنا.

5 – ليس ذلك فحسب بل هما يعبران عن دور لهما في بناء الكيان اللبناني منذ إنشاء “ لبنان الكبير” في العام 1920. فما هي الافكار التي قدمتاها، إن مباشرة او عن طريق خريجيهما، لبناء الكيان اللبناني منذ إنشائه ؟ وهو الكيان الذي نشأت عنه دولة طائفية يمنع قيامها دستور كل من بلديهما الاصليين.

6 – ولماذا التنويه بدورهما ببناء الكيان اللبناني انطلاقاً من “ لبنان الكبير” ؟ علماً بأن الجامعتين وجدتا بترخيص من الحكومة العثمانية قبل العام 1920 بزمن طويل ؟

7 – فمنذ إنشاء “ لبنان الكبير ” في العام 1920 وحتى اعلان الاستقلال في العام 1943 وبعده وربما حتى اليوم، كان الفكر السائد، بتأثير الجامعتين المذكورتين وخريجيهما، عن تركيبة لبنان الاقتصادية ودوره في الجوار هو ان الجمهورية اللبنانية تؤلف جسراً بين الشرق والغرب ويتمتع اقتصادها الوطني بالحرية الكاملة ويقوم على قطاعي التجارة والخدمات، مما يشمل الاستيراد والترانزيت وتقديم الخدمات المصاحبة لهما، انطلاقاً من “ عبقرية ” العائلات التجارية اللبنانية. فنشأت عن ذلك “ معجزة حقيقية ” تتحدى الارقام والاحصاءات لان معظم هذا النشاط، ومنه زراعة وتصدير الحشيش والافيون، والاموال التي يتم تقاضيها على سبيل السمسرة والعمولات، غير مصرح به رسمياً ويدرّ اموالاً لا تُدفع عنها لخزينة الدولة أية ضرائب. وهذا هو مصدر “ المعجزة اللبنانية ”.

8 – وكان المطلوب من الحكومة ان تحمي مصالح التجار، والسماسرة، الكبار منهم والصغار، مع اعطائهم دوراً متعاظماً في الحياة السياسية وعلى سبيل المثال تمويل الحملات الانتخابية. أما اقصى ما كان مطلوباً من الدولة فهو ان تلعب دور شرطي السير.

9 –  اما المصارف فإنها كانت ولا تزال في معظمها تجارية أي انها كانت ولا تزال تموّل التجارة الخارجية عن طريق فتح الاعتمادات واعطاء التسليفات للتجار الذين يملكون بضائع في المستودعات. وقد تقلص الفارق بين فئتي المصرفيين والتجار، وكلاهما من رجال الاعمال، فأصبح كثير من التجار مصرفيين. وأصبح بعضهم من السياسيين النافذين. فيكون الواحد منهم سياسياً وتاجراً وصاحب مصرف في آن معاً.

10 – وكان التجار ولا يزالون يستوردون البضائع الاجنبية للاستهلاك المحلي بقيمة تفوق كثيراً قيمة ما تصدره البلاد من الانتاج الوطني، الزراعي منه والصناعي. لكن، ولا بأس، فإن التحويلات المالية كانت تتدفق على البلاد من نشاط التجار وسائر رجال الاعمال والمغتربين مؤقتاً خارج البلاد، ولا ننسى تجار المخدرات، وتسد العجز المالي الناتج عن نقصان ما يصدر عن ما يتم استيراده وكان يتحقق بذلك وفر كبير، ظاهر وخفي، ادى الى ارتفاع قيمة العملة الوطنية بالمقارنة مع العملات الاجنبية، التي كانت تصنف نقداً نادراً، وفي طليعتها الدولار الامريكي.

III – تبدل معطيات “ المعجزة اللبنانية ”

11 – لكن المعطيات الاقتصادية “ للمعجزة اللبنانية ” تبدلت خلال العقود الثلاثة الماضية بصورة حثيثة وان بطيئة. فقد ظهر وكبُر وحش اسمه الدين العام الذي يأكل مليارات الدولارات سنوياً من أجل ابقائه حياً. وازداد استهلاك الطاقة الكهربائية وقلّ انتاجها. وتقلصت تجارة المخدرات لكثرة الرقابة عليها ومكافحتها دولياً، ونشأت في بلدان الجوار طبقات جديدة من رجال الاعمال المحليين الذين لا يحتاجون خدمات الوسطاء اللبنانيين، لكن البلاد ما تزال تعيش على استهلاك البضاعة الاجنبية المستوردة بمعدل يناهز العشرين مليار دولار في السنة في وجود تصدير ظاهر يقل عن ثلاثة مليارات دولار في السنة اي بعجز تجاري يناهز السبعة عشر ملياراً في السنة. لكن آخر عام تظهر الاحصاءات عنه انه تم سد هذا العجز بالتدفقات المالية من الخارج هو العام 2017. أما العام 2018 فإنه اظهر ان التدفقات المالية الخارجية لم تعد كافية لهذا الغرض مما نتج عنه عجز اجمالي في ميزان المدفوعات يناهز الخمسة مليارات دولار. اما في العام الحالي 2019 فإن العجز المذكور مستمر بمعدل يناهز المليار دولار في الشهر.

12 – وان من اسباب تنامي هذا العجز حديثاً عودة عشرات الاف المغتربين مؤقتاً الى البلاد بعد ان فقدوا وظائفهم وتزايد صعوبة تحويل رجال الاعمال اموالهم من الخارج والتشدد في مراقبة نقلها نقداً ووطأة ما فرضته الحكومة الامريكية عليهم من قيود وضغوط مدعومة بالتهديد.

13 – يعني ما تقدم بكل بساطة ان الإنفاق الاستهلاكي للشعب اللبناني يخرج كثيراً عن حدود امكاناته ولم يعد هذا الشعب قادراً على مدّ رجليه على قدر بساطه. ذلك ان مجموع جيوب اللبنانيين تؤلف كمّاً واحداً فيما يتعلق بالعلاقة مع الخارج. ويقاس مجموع ما يدخل الى لبنان بمجموع ما يخرج منه بالعملات الاجنبية بكل سهولة عن طريق لحظ تغيّر أرقام الموجودات الخارجية لكل من المصارف اللبنانية والمصرف المركزي. فإذا لم يعد للمصارف المذكورة من موجودات خارجية فإنها تصبح عاجلة عن تمويل الاستيراد ويتوقف الاستيراد. ويضاف الى ما تقدم تمويل كلفة خدمة الدين العام وتمويل عجز الكهرباء.

14 – والخطير، الخطير، ان توقف الاستيراد لا بدّ أن يشمل استيراد شتى انواع المواد الغذائية التي تحتل رفوف المتاجر بنسبة لا تقل عن 80 %، ناهيك عن القمح ومنه الطحين الذي تستعمله الافران لانتاج الخبز اليومي. ويصبح اللبنانيون الذين يعتمدون عليها في عيشهم اليومي مهددين بالمجاعة. وفي ذات الوقت فإن التشديد المفرط على قطع دروب التهريب من سوريا يؤثر سلباً على توافر هذا المصدر الوفير للغذاء. كما يشمل وقف الاستيراد الفيول اللازم لانتاج الكهرباء والبنزين اللازم للنقل الخاص والعام.

IV – هل يمكن زيادة الانتاج الوطني وتقليل الاستيراد ؟

15 – إذن فإن المطلوب بالحاح شديد وبالسرعة القصوى هو زيادة الانتاج الوطني وتقليص الاستيراد الى حد خلق توازن في الميزان التجاري وبالتالي في ميزان المدفوعات.

16 – وتستطيع الادارة، أي الجمارك ومديرية الاحصاء، تدقيق تفاصيل ما يستورده لبنان وفي طليعتها المنتجات المعدنية والغذائية التي تؤلف 30 % من فاتورة الاستيراد أي ما قيمته ستة مليارات دولار في السنة، ووضع خريطة شاملة بها بعد مقارنتها مع احصاءات الدول، التي نستورد منها المنتجات المذكورة، عن صادراتها الينا.

17 – كما تستطيع الادارة، أي إدارة املاك الدولة، وضع تصور لاملاك الدولة من الاراضي السليخ وامكانية اقامة لا اقل من عشرة مناطق صناعية جديدة عليها موزعة على مختلف انحاء البلاد وبمساحة لا تقل عن عشرة كيلومترات مربعة لكل منها مع مدها بالطرقات والكهرباء بمعدل 24/24 ساعة في اليوم، وامكانية اقامة مناطق أوسع مخصصة لانتاج الطاقة ذات الكلفة الرخيصة من اشعة الشمس والرياح.

18 – ويمكن للادارة، وهي وزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد الوطني والتجارة، ان تستدرج من الشركات الوطنية والمختلطة، العروض لانشاء مصانع في الاماكن الصناعية الجديدة على نفقة الشركات المذكورة ولحسابها، كل على ارض تؤجر لها لهذا الغرض في المناطق الصناعية الجديدة ببدل رمزي، بهدف انتاج، في مرحلة أولى، ما يغني البلاد عن بعض البضائع المستوردة، وفي مرحلة ثانية التصدير الى الخارج، وذلك بالشروط التي تؤمن فرص العمل وتدريب القوى العاملة، ومن جهتها فإن الدولة تعفي تلك البضائع من كل الضرائب والرسوم لمدة خمسة عشر عاماً من يوم ابتداء الانتاج بشرط تأمين الطبابة والاستشفاء والسكن بها لاجرائها، لكن على الدولة التعهد بتزويدها بالكهرباء الرخيصة 24/24.

19 – ولا بد ان يشمل التوسع الصناعي انتاج الطاقة النظيفة والرخيصة سواء من الشمس او الريح في المناطق التي تخصص لذلك على اراضي الدولة وبذات الشروط.

20 – وفي ذات الوقت فإن على الحكومة السعي الى الدخول في اتفاقات تجارية مع بلدان الجوار والصين، نعم الصين، سعياً لتقليص العجز التجاري معها والانتقال الى صيغة للتعامل التجاري معها عن طريق المقايضة مع تمويل اقامة مراكز انتاج وطنية في المناطق الصناعية المذكورة وتولي ادارتها.

21 – وان ما يعادل الصناعة اهمية هو الزراعة. ويكون ذلك بوضع برنامج جدي لاستصلاح واسع للاراضي مع وسائل الري في مختلف الانحاء اللبنانية مع تقديم المشورة والبذور للمزارعين.

22 – وان الازدهار في القطاعين الصناعي والزراعي يكمل بعضه البعض الآخر ويؤدي الى ضمان الامن الغذائي وتوافر فرص العمل والى تقليص العجز في الميزان التجاري وبالتالي في ميزان المدفوعات.

23 – اما كلفة الدين العام فلا بدّ من معالجتها بوسيلتين: تخفيض الفوائد وشراء سندات الخزينة من السوق على مراحل بعد اعادة النظر بسائر نفقات الادارة.

V – هل من الممكن اعادة النظر في نفقات الادارة ؟

24 – ان التعاطي مع نفقات ادارة الدولة لا يكون بالبحث عن واردات لتمويلها عن طريق فرض الضرائب الجديدة والتشدد في جبايتها. بل ان الامر يتطلب اعادة النظر بها وخفضها. فإن وجود الوزارات والمؤسسات الحكومية واستمرارها يجب ان يقاس بالغرض المرجو تحقيقه منها لتوفر ما يحتاجه الناس من خدمات لا يمكن سوى للدولة تقديمها.

25 – ومن المسلم به أنه تمّ حشو الادارة بالموظفين الدائمين والمؤقتين والمتعاقدين وحتى بالذين يتم استخدامهم باليوم والساعة، وجلهم من المحاسيب.

26 – والمطلوب هو خطة لتقليص عدد الناس الذين تستخدمهم الدولة بصفة او بأخرى من مئات الآلاف الى عشراتها، وإخضاع الفائض منهم لبرامج تدريب على مهارات جديدة تنفعهم  وتنفع الشعب.

27 – ويدخل ضمن هذه الخطة الغاء عدد كبير من الوزارات والمؤسسات العامة ودمج الاجهزة التي تقوم بذات الوظيفة او بوظائف تكمل بعضها البعض الآخر كالمديريات العامة الامنية.

VI -هل من دور للجامعات في دعم الاقتصاد الوطني ؟

28 – قامت في لبنان بعد الجامعتين الامريكية واليسوعية جامعة وطنية كبرى هي الجامعة اللبنانية وتلتها عشرات الجامعات المتوسطة والاصغر حجماً. وهي تعطي الشهادات في مختلف الاختصاصات المهمة للاقتصاد الوطني والاقل اهمية والتي لا اهمية لها.

29 – والمطلوب اعادة النظر في الاختصاصات المذكورة والتأكد من توافر الاختصاصات في القطاع الخاص المهمة للاقتصاد الوطني والتي يمكن ان تتوافر لها فرص العمل جنباً الى جنب مع النهضة الاقتصادية والتشدد في مراقبة توافر معايير الجودة في ما تقدمه لطلاب العلم فيها.

30 – وإنه من الاهمية بمكان دعم الجامعة اللبنانية وتمكينها من ممارسة دور قيادي في التعليم العالي.

VII -هل من دور للنظام القضائي ؟

31 – ان ما يرجى من النظام القضائي الوطني هو تحقيق العدل وحماية الناس وحقوقهم القانونية والدستورية والانسانية عن طريق ممارسة القاضي السلطة القضائية بإسم الشعب ولحسابه. هذا في المبدأ وفي النظرية.

32 – لكن النظام القضائي القائم لا يُتّكلُ عليه لانه مصاب بالعلل الخطيرة والعيوب التي لا تحصى وتخالف الشروط الجوهرية لقيامه بمهامه بنجاح. ويخطئ من يطالب بإحالة كبار الفاسدين الى القضاء فقد يكونون عينوا القضاة الذين سينظرون في ملفاتهم.

33 – فالمطلوب للقضاء اولاً أصحاب الاكف النظيفة والكفاءة العقلية والفكرية والعلمية والضمير الحي وشجاعة ترجمة الاقوال الى افعال وأهمها نصرة المظلوم. ولعل هذه المزايا تتوافر في اناس الادارة ايضاً.

34 – كل ذلك مما يوجب اعادة بناء شاملة للنظام القضائي الوطني مما يؤلف وضع المدماك الاول وضمان الشرط المسبق لإصلاح الادارة ومحاربة الفساد والاصلاح السياسي.

35 – فإن المطلوب هو حكم القانون لا حكم القضاة ولا حكم السياسيين ولا حكم رجال الاعمال.

VIII – هل ان المهمة مستحيلة ؟

36 – قد تكون المهمة مستحيلة او شبه مستحيلة، لأن من المستحيل او شبه المستحيل ان يتولاها خلفاء الذين اداروا البلاد منذ اعلان “ لبنان الكبير”، وقبل ذلك في العهد العثماني وقبله العهد المملوكي، وقادوها الى ما اصبحت عليه: دولة فاشلة. فإن عليهم ان يرحلوا. وهذا هو حكم الشعب عليهم. وإن “ البرامج ” الاصلاحية التي خرجوا ويخرجون بها على الشعب مضحكة ولا تنطلي عليه.

37 – وانه لمما يؤسف له كثيراً ان يصدر عن الجامعتين الاجنبيتين الكبريتين ــــ الامريكية واليسوعية ـــــ بيان تأييد للكيان الذي انبثق عن اعلان “ لبنان الكبير” والذي سرعان ما ترسخت على اساسه الدولة الطائفية. وكان قد سبق البيان المذكور دعوة صادرة عن رئيس الجمهورية للاحتفال بمئوية “ الاعلان ” الذي اصدره الجنرال هنري غورو قائد جيش الاحتلال الفرنسي الذي نزل في بيروت من اجل تطبيق اتفاق ســـايكــــــس ــــــ بيكو بالشراكة مع الجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي.

38 – في حين انه من الواجب والضروري عدم إثارة اسباب جديد لانقسام الناس في هذا الوطن الصغير. وان المطلوب اولاً الاعتراف بوجود خلافات ذات جذور تاريخية ودينية التي لا يمكن حلها سوى بالاعتراف لكل منا ان يكون له رأيه ومعتقده وثانياً الاتحاد من اجل المصلحة الوطنية المشتركة في خلاص هذا الوطن وحرية وسيادة اهله.

39 – وعلى سبيل المثال، وفي شأن اعلان “ لبنان الكبير”، فإذا كان هناك من بطل فليس هو مفتي بيروت الذي تم ادخاله قسراً في اطار الصورة الشهيرة التي جمعته بالجنرال غورو وبطريرك الموارنة. وهو، أي المفتي، والبطريرك الذي ظهر معه ايضاً في الصورة، لا يعنياني. وان من ابطالي خالد ابن الوليد فاتح العراق وبلاد الشام، والسلطان محمد فاتح القسطنطينية، وابا ايوب الانصاري الذي يرقد جثمانه الطاهر في اسطنبول خارج حدود القسطنطينية القديمة، وصلاح الدين الايوبي محرّر القدس، ويوسف العظمة بطل موقعة ميسلون. وكل هذه البطولات هي جزء من جذوري والتراث الذي لن اتنازل عنه. وإن الجنرال غورو هو عدوي. فلا يحاول رئيس الجمهورية ورئيسا الجامعتين الامريكية واليسوعية فرض ابطالهم عليّ، وعلى سواي ممن يفكرون مثلي، بالرغم منا. وبالمقابل فإن لا مانع لديّ من ان يرى سواي من اللبنانيين من يشاؤون ابطالاً. لكنني لا اقبل فرض ابطالهم عليّ كما لا افرض ابطالي عليهم. ويجب علينا جميعاً احترام حقيقة ان لكل منا ابطاله، وواجب ان يحتفظ كل منا لنفسه بما يراه ويعتقده صحيحاً لجهة الاحداث التاريخية وان لا يحول ذلك دون العمل يداً واحدة لانقاذ هذا الوطن الذي يضمنا جميعاً.

40 – وان الشرط الاول لامكان ان يضمنا هذا الوطن جميعاً، بصرف النظر عن تراث كل منا وجذوره، ومع عدم المسّ بمشاعر وحق كل منا في شأن ما يخصه من هذا التراث والجذور، في دولة عصرية هو اسقاط الدولة الطائفية والانطلاق من المادة السابعة من الدستور التي توازيها المادة السابعة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لتكريس المساواة بين الناس في كل الموجبات والحقوق ولاسيّما منها حقوق الانسان.

41 – اتركوا الناس يفكرون، ولا تفكروا عنهم !