جمعية الأشرار

كثيراً ما تنفرد صفحة “ القضايا ” في جريدة النهارفي طرح مسائل لبنانية واقليمية ودولية ذات شأن. وقد لفتني كثيراً مقال انطوان قربان في 9 آب 2016 تحت عنوان ‘‘حوارات اوليغارشية ” المترجم عن الاصل الفرنسي الذي كانت نشرته “لوريان لو جور”.

ولعل ما مكّن قربان من كتابة ما كتبه ونشره هو ان التعبير بلغة غير اللغة الوطنية يحرر الكاتب من سطوة النماذج اللفظية الجاهزة والجاري استعمالها في لبنان باللغة العربية كما يحرره التوجه بالكتابة الى القارئ باللغة الفرنسية ممن قد يكون مستعداً لسماع غير تلك النماذج السائدة.

ومع ان قربان قد إقترب كثيراً من تسمية الاشياء بإسمائها، فإنه لم يقترب كفاية. وأوّد ان أقترح عليه القيام بجهد أكبر لأن التهذيب في الخطاب لم يعد مفيداً.

فهو يعتبر الاوليغارشيين الذين يجلسون على طاولة الحوار “ جمعية غير دستورية “ والاصح ان تطلق عليهم تسمية “ جمعية الاشرار ” موضوع المادة 335 من قانون العقوبات وإسمها، من أجل كتابته في “ لوريان لو جور” باللغة الفرنسية، هو
association de malfaiteurs. ولسوف يسعدني ان اعطيه نص المادة المذكورة باللغة الفرنسية، وغاية هذه الجمعية التي تتألف من شخصين أو أكثر هو النيل من سلطة الدولة وهيبتها وارتكاب الجنايات.

وأما “ المنظمات ” غير الحكومية التي انتقدها والمعروفة عامة بتعبير NGOs فإنه تم اختراقها، أو حتى اختراع بعضها، من دول أو مؤسسات اجنبية. وبكل اسف فقد حضرت حديثاً وعن طريق الخطأ إجتماعاً قدم فيه ممثلون لبضع من هذه المنظمات التقارير عن نشاطهم الى مشغليهم من الدبلوماسيين الاجانب. وانني لا أنسب اليهم دس الدسائس قصداً لدى دول اجنبية مما تعاقب عليه المادة 275 عقوبات ولا تسريب الوثائق والمعلومات لمنفعة تلك الدول عن قصد مما تعاقب عليه المادة 282 عقوبات لكنّ تلقي الاموال من دول اجنبية وتقديم التقارير الى ممثليهم يتصف بسوء الادب وقلة الوعي الوطني وهو مهين وقد يتعرض الفاعل للملاحقة الجزائية.

وأما ما انتقده قربان من الدفاع المزعوم عن حقوق مزعومة للطوائف فأرغب في أن أضيف إليه أن الهدف منه هو تحويل الانظار عن اهم مادة في الدستور وهي المادة 7 التي نصت على ما يلي:

“ كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم ”.

وهذا هو أساس قاعدة “ سيادة القانون ” التي اشار اليها وهي ما أسميه: حكم القانون. فلكل مواطن لبناني الحق بان تدافع دولته عنه وعن حقوقه بالسواء دون الانتماء الى أية طائفة أو منطقة أو نافذ من النافذين الاعضاء في الجمعية المنوه عنها أو سواهم. فتسقط عندها مزاعم الدفاع عن الطائفية والمنطقة على يد الافراد او الجماعات الذين تتولى جمعية الاشرار تشغيلهم وقيادتهم.

ولضيق ما يمكن ان تعطيه لي صفحة “ القضايا ” من مجال اكتفي بأن أضيف أيضاً، الى ما قاله انطوان قربان، التنويه بأن جمعية الاشرار حرصت على تهديم الادارة التي يمكنها ان تقدم للمواطنين الخدمات الضرورية والاساسية لسلامتهم ولحسن تمتعهم بالحقوق الاساسية مما هو مبرر وجود الدولة في المبدأ، وحرصت على ان يكون القضاء على صورتها ومثالها. واعطت الحصانة المطلقة من الملاحقة القضائية الجزائية لكل من افرادها وأعوانهم وللموظفين الذين يدينون لها بالطاعة العمياء فلا تجوز ملاحقتهم دون اذن مسبق اضافة الى القضاة الذين أُوجدت اصول خاصة لملاحقتهم على الجرائم التي يمكن ان تنسب اليهم، دون ان تستعمل هذه الاصول ابداً، وبدورها فإن الهيئة العامة لمحكمة التمييز أعطت في القرار الشهير الذي كتبه رالف رياشي لكل من الوزراء شيكاً مفتوحاً على بياض في انتهاك القانون كما يحلو له بان حصرت سلطة ملاحقتهم في المجلس الاعلى الذي نصت عليه المادة 80 من الدستور بعبارة وجيزة وعامة وغامضة وبموجب اصول كان يجب ان يصدر بها قانون خاص منذ عشرات السنين لكنه لم يصدر ابداً ولم تتم محاكمة أي منهم ابداً امام هذا المجلس. وهو عملياً بحكم غير الموجود ولو ان بعض اعضائه يتقاضون الرواتب لقاء عضويتهم فيه.

وبكل إختصار فإن اعضاء جمعية الاشرار وأعوانهم لا يخضعون لاية مراقبة او مساءلة او محاسبة ولا يتوقعون ان يحل بهم أي عقاب كما يوجب القانون. فكيف يمكن أن يزولوا بسلام ؟

( نشرت هذه المداخلة في ‘‘صفحة القضايا’’ في جريدة ‘‘النهار’’ صباح اليوم في 11/8/2016 . للإطلاع على مقال أنطوان قربان:

http://newspaper.annahar.com/article/443646-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%A9