غير ميؤوس منه (حتى الآن) nil desperandum

من سوء حظ لبنان أنه تسوده عقيدة إسمها: فالج لا تعالج! وهي تزداد رسوخاً في عقول اللبنانيين وأفئدتهم يوماً بعد يوم من مجرد قراءة الصحف ومشاهدة أقنية التلفزة وسماع آراء السياسيين والمعلقين.

ويزيد في الطين بلة أن نخبة الكتّاب من خارج الطبقة السياسية ينظّرون بلغة تفوق مقدرة الشعب على إستيعابها. ذلك أن عامة الناس لا تشتري الصحف التي تنشر آراء النخبويين ومن يقرأها منهم فإنه غالباً ما لا يفهمها. وإذا فهمها فإنه يزداد إقتناعاً بعقيدة: فالج لا تعالج!

فلنبدأ من نقطة البداية. لا شك في أن هناك شبه إجماع شعبي ووطني سواء لدى الشعب أو لدى النخب التي خرجت منه على أن الدولة اللبنانية فاشلة ومنخورة حتى العظم بالفساد وان أفراد الطبقة السياسية الحاكمة يؤلفون طغمة تجب إزاحتها، ليس لعدم قدرتها على إدارة شؤون البلاد وأهلها أو على معالجة قضايا الناس عامة وتحسين وسائل عيشهم وتأمين سلامتهم من كل النواحي، فحسب، بل لأن هذه الطغمة هي من نوع جمعية الأشرار التي تنص عنها المادة 335 من قانون العقوبات وهي التي ينسب اليها الناس كل ما يحل بهم من مصائب بدءاً من تقويض سلطة الدولة وهيبتها توصلاً إلى تقزيم مؤسساتها الدستورية والمدنية والمالية والإقتصادية.

فهل أن الأمر أصبح ميئوساً منه وباللغة اللاتينية desperandum بحيث من حق الناس أن يصابوا بالقنوط، وحتى أن يصيبهم اليأس من رحمة الله تعالى، أم أنه من المحتمل أنه ما زال غير ميؤوس منه وباللغة اللاتينية nil desperandum ؟

وهل يمكن تحويل الناس جميعاً، بمن فيهم النخب، من الإقتناع بعقيدة: فالج لا تعالج إلى الإيمان بعقيدة جديدة إسمها: غير ميؤوس منه (حتى الآن)؟

إنني أزعم ان علّة العلل هي عدم تطبيق القانون وعدم إحترامه بل وإنتهاكه جهاراً يتطبيق عكس ما ينص عليه بصراحة ووضوح. وأزعم أن الفرق بين سويسرا ولبنان (الذي كان ينعت بوصف سويسرا الشرق) هو في تطبيق القانون واحترامه، الأمر الذي يختصر بعبارة: حكم القانون. ولو أن سويسرا فقدت حكم القانون فإنها لا بدّ أن تصبح مثل لبنان أو أسوأ منه. ولو أن حكم القانون ساد في لبنان لأصبح مثل سويسرا بل وأحسن منها.

فهل يمكن أن يسود حكم القانون في لبنان بالرغم من الطغمة السياسية وبالرغم من القضاة والمحامين المولجين أصلاً بإقامته لكنهم أصبحوا من أهم أدوات تلك الطغمة المطلوب الخلاص منها؟

وجوابي هو: نعم. لأن المطلوب بسيط وهو أن يتحوّل كل لبناني عن عقيدة فالج لا تعالج إلى الإيمان بعقيدة غير ميؤوس منه (حتى الآن). وإنطلاقاً من هذا الإيمان الجديد فعلى كل لبناني أن يؤمن أنه صاحب حقوق وأن يتمسك بحقوقه ويدافع عنها بكل الوسائل الأخلاقية حتى يتمكن من تأمينها، وأن يؤمن بأن عليه، إذا لم تكن الحقوق التي تخصه معتدى عليها أو مهددة ( واستباقاً لإحتمال أن تتعرض للإعتداء أو للتهديد) أن يتضامن مع كل صاحب حق يواجه حقه إعتداءً أو تهديداً إلى أن يزول الإعتداء أو التهديد.

أي أن على كل لبناني أن يقطع مسافة تتألف من الخطوات الخمس التالية:

(1) التخلي عن عقيدة فالج لا تعالج.
(2) الإيمان بعقيدة غير ميؤوس منه ( حتى الآن) nil desperandum .
(3) أن يعي أنه، بصفته إنساناً ومواطناً، من أصحاب الحقوق الكثيرة.
(4) أن يعي أن من واجبه التمسك بحقوقه والدفاع عنها بكل الوسائل الأخلاقية إذا تعرضت للإعتداء أو للتهديد.
(5) وأن يعي ان من واجبه التضامن مع سائر أصحاب الحقوق التي تتعرض للإعتداء أو للتهديد ولو أن حقوقه الخاصة غير معتدى عليها أو مهددة.

ما هي الحقوق التي يملكها كل مواطن وإنسان؟ أنها الحقوق الطبيعية والتي نصّ عنها الدستور والاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود المكملة له والقواعد القانونية العامة التي تطبقها الأمم المتحضرة، إبتداءً من الحق في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية والحق في سائر الحقوق المعنوية المكملة له كالمساواة وصيانة الخصوصية والسلام والأمن والعرض والعزة والعصمة والحق في حرية الإعتقاد والقول والتعبير والتجمع والحق في العدل بحماية حق الدفاع والحق في المحاكمة العادلة إنطلاقاً من براءة الذمة في الشؤون المدنية وقرينة البراءة في الأمور الجزائية ومنع التعذيب والحق في الدعوى الشخصية ضد من يرتكب جريمة تنزل به الضرر والحقوق المادية كحق الملكية وحرمة الديار والوفاء بالعقود ومنع المصادرة والحق في العمل والسكن والتعليم والطبابة والإستشفاء وتعويض البطالة ومعاش التقاعد والحق في التمتع ببيئة نظيفة وصديقة للصحة العامة.

فهل يدرك كل مواطن بل كل إنسان أنه صاحب كل هذه الحقوق وان تمسكه بها ودفاعه عنها إذا تعرضت للإعتداء أو للتهديد هو وحده ما يحميها و لأن حمايتها لا تكون إلا بأستعمال كل الوسائل الأخلاقية وفي طليعتها التضامن الإجتماعي من أجل حسن تطبيق القانون ولو كره ذلك بعض المتولين عليه؟

أوليس من حقوق المواطن الحق في المساواة أمام القانون عملاً بالمادة 7 من الدستور والمادة 7 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان بحيث يكون للمواطن الحق في أن تؤمن له حقوقه بالمساواة، دون تمييز على أساس الجنس او العنصر أو ألأصل أو الدين أو الإقليم أو الوظيفة، ولمجرد أنه لبناني وإنسان دون حاجة لشفاعة صاحب نفوذ أو للخضوع لإبتزاز بعض متسولي الرشاوى؟

أنا مواطن إذن أنا صاحب حق. أنا إنسان إذن أنا صاحب حق.

فليتحد أصحاب الحقوق ليسود في لبنان حكم القانون بالمساواة والعدل والنزاهة. وليتضامنوا تضامن الثيران الذين وردت حكايتهم في كتاب كليلة ودمنة وبأن يكون كل منهم ثوراً أبيضً. فيستحيل القضاء عليهم جميعاَ في آن معاً . ولا يقتلون جميعاً إذا قتل الثور الأبيض.