عن ‘‘إحالة’’ القاضية ليلى رعيدي إلى التفتيش القضائي

أكد البيان الصادر بإسم مجلس القضاء الاعلى في 14 أيار 2015 ما كانت وسائل الاعلام قد نشرته في ذات اليوم على لسان وزير العدل من أنه أحال القاضية ليلى رعيدي على هيئة التفتيش القضائي لدورها، كعضو في المحكمة العسكرية الدائمة، في إصدار الحكم في قضية الوزير السابق ميشال سماحة.

لكن البيان المذكور إقتصر، في هذا الشأن، على إبداء إمتعاض المجلس لخرق السرية عبر إعلان الوزير عن إحالة قاض بالذات على التفتيش القضائي. في حين أنه كان من واجب المجلس إيضاح ان وزير العدل لا صفة ولا سلطة له لإحالة القاضية رعيدي الى هيئة التفتيش القضائي، وإيضاح ان سلطة مجلس القضاء الاعلى نفسه تنحصر في القضاء العدلي ولا صفة ولا سلطة له على القضاء العسكري.

وكان على مجلس القضاء الاعلى، وعلى كل حال، ان يوضح ان القاضية رعيدي لم تفعل شيئا” تؤاخذ عليه. حتى أن الوسيلة الوحيدة لمخاصمة القضاة، وهي دعوى المسؤولية عن أعمال القضاة العدليين، التي أقامها قانون أصول المحاكمات المدنية، لا تنطبق عليها فإن إستعمالها لا يمتد الى القضاء العسكري.

لنستعرض القانون الذي يرعى المسائل المنوه عنها.

عدم صلاحية مجلس القضاء الاعلى

يخضع مجلس القضاء الاعلى الى قانون القضاء العدلي (الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 150/83) الذي ينظم القضاء العدلي وحده. وإن إختصاص المحاكم العدلية هو إختصاص وظيفي.

عدم صلاحية هيئة التفتيش القضائي

تنحصر صلاحية هذه الهيئة، بحسب المادة 97 من قانون القضاء العدلي، بالمحاكم العدلية والادارية والهيئات في وزارة العدل وديوان المحاسبة والدوائر المركزية في وزارة العدل.

عدم صلاحية وزير العدل

إن القضاء العسكري هو في وزارة الدفاع. ولوزير الدفاع تجاه المحاكم العسكرية كل الصلاحيات التي تعود لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية.

مسؤولية الدولة عن أعمال القضاة

أجاز قانون أصول المحاكمات المدنية مداعاة الدولة بشأن مسؤوليتها عن أعمال القضاة العدليين، أي أن هذه الدعوى لا تمتد إلى القضاة خارج المحاكم العدلية. ومع ذلك، فلنعرض الحالات التي تجوز فيها هذه الدعوى. وقد حددها القانون كما يلي:

(1) الاستنكاف عن إحقاق الحق، أي عدم إصدار الاحكام أو البت في الطلبات بعد إنذار القاضي
مرتين.

(2) الخداع.

(3) الغش.

(4) الرشوة.

(5) الخطأ الجسيم مما لا يقع فيه القاضي الذي يهتم بواجباته الاهتمام العادي.

وتقدم هذه الدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد الدولة لا ضد القاضي.

وبالاضافة الى ما تقدم أجاز قانون أصول المحاكمات الجزائية ملاحقة القضاة الذي يرتكبون الجرائم سواء كانت ناشئة عن الوظيفة أو بمناسبتها أو خارجا” عنها. وتتولى هذه الملاحقة النيابة العامة التمييزية. ويعيّن قاضي تحقيق خاص. وتنظر في الدعوى محكمة التمييز.

هل إرتكبت القاضية ليلى رعيدي أي ذنب بمجرد عضويتها في المحكمة العسكرية الدائمة التي أصدرت حكم سماحة ؟ قطعا” لا. فهي مارست وظيفتها. ولم تستنكف عن إحقاق الحق ولم ترتكب جريمة. ولا يحق لهيئة التفتيش القضائي أن تستدعيها سواء بـأمر من وزير العدل أو دون أمر. ولو أنها حضرت الى هيئة التفتيش القضائي من تلقاء نفسها وسألت: ماذا تريدون مني ؟ لكان الجواب الواجب: لا شيء. ذلك أن الهيئة، وحتى ولو كانت ذات صلاحية، لا تملك ان تناقش قاض في صواب أسباب تكوّن قناعته في حكم كما تم تدوينها في الحكم.

حرام التعرض للقاضية ليلى رعيدي.

ومن شاء ان يسألني رأيي في الحكم الذي صدر في قضية الوزير السابق سماحة، فليعطني أولا” صورة كاملة عن ملف الدعوى لدراسته.