عن فياسكو التحقيق في انفجار المرفأ وبلاهة ورقة إحضار رئيس الوزراء

في 26 آب 2021 صــــدرت عن القاضي المكلف بوظيفة “ محقق عدلي ” في “ إنفجــار المرفأ ” ورقة احضار تكلف القوى المسلحة بإحضار رئيس مجلس الوزراء الاستاذ الدكتور حسان دياب اليه قسراً بصفة مدعى عليه من أجل استماعه واستجوابه بشأن انفجار مرفأ بيروت.

فتسارعت ردود الفعل السياسية على هذا الاجراء الذي تم اتخاذه في اطار تحقيق ابتدائي مشكوك في صحته. إلا انه غفل عن المحتجين ان ورقة إحضار الرئيس دياب مخالفة للقـــانون بل وبلهاء وتؤلف ذروة جديدة في فياسكو هائل ومركّب تميزت به اعمال “ المحقق العدلي ” الســــــابق والحالي ومن قبلـــه قــــرار مجلس الوزراء برئــــاسة الرئيس ديــــاب ذاتـــه بإحالــة “ انفجار المرفأ ” الى المجلس العدلي.

وليس هذا المقال بدفاع عن الرئيس دياب بقدر ما هو دفاع عن المواطن اللبناني الذي كثيراً ما يتعرض لامثال فيـــاسكو “ التحقيق العدلي ” بل لافظع منه، وإذا كان يمكن لرئيس الوزراء ان يكون ضحية لمثل هذه البلاهة ولهذا الهول فهل يمكن تصوّر ما يمكن ان يقع فيه الانسان العادي ؟

وفيما يلي ملخص لبعض الاعمال التي لا يمكن وصفها بأقل من كلمة فياسكو.

فياسكو رقم 1

صدر عن مجلس الوزراء في آخر جلسة له قبل تقديم استقالته قرار تحوّل الى مرسوم بإحالـــــة “ انفجار المرفأ ” الى المجلس العدلي. في حين ان الاحالة لا تكون الا لدعوى ناشئة عن افعال جرمية محددة وموصوفة في المادة 356 من قانون اصول المحاكمات الجزائية (فيما يلي “ أ.م.ج. ”) وهي الجرائم الواقعة على امن الدولة وجرائم الموظفين المرتبطة بها او المتفرعة عنها بمخالفة واجبات المهنة وإساءة استعمال السلطة وسرقة العسكريين للاموال والاعتدة.

ونصت المادة 355 أ.م.ج. على ان ما يحال على المجلس العدلي هو الدعوى لا الحدث. وتأكيداً لذلك جاء في الفقرة الاخيرة من المادة 356 أ.م.ج. التي تلتها:

“ تحال الدعاوى المتعلقة بهذه الجرائم والتي هي قيد النظر امام القضائين العسكري والعادي الى المجلس العدلي الذي تشمل صلاحياته المدنيين والعسكريين على السواء انفاذاً لمرسوم الاحالة ”.

لكن، وبتاريخ قرار ومرسوم الاحالة، فإنه لم تكن هناك من دعوى قيد النظر تتعلق بإنفجار المرفأ. ولم تكن النيابة العامة الاستئنافية المختصة قد حركت الدعوى العامة. وهي لم تقم بتحريكها ابداً. فيكون مجلس الوزراء قد تلقى نصيحة خاطئة فإرتكب اول فياسكو.

فياسكو رقم 2

ان المرحلة الاولى من كل قضية جزائية هو قيام قوى الشرطة المختصة، بما فيها وحدة الادلة الجنائية، تحت اشراف وأمرة النيابة العامة المختصة، بأعمال الاستقصاء التي تتبين منها شبهة حصول فعل جرمي لا بدّ ان له فاعل. وتعرّف هذه المرحلة بإسم “ التحقيق الاولي ”. فجاء في المادة 47 أ.م.ج.:

“ يتولى الضباط العدليون، بوصفهم مساعدي النيابة العامة، المهام التي تكلفهم النيابة العامة فيها استقصاء الجرائم غير المشهودة وجمع المعلومات عنها والقيام بالتحريات الرامية الى كشف فاعليها والمسهمين في ارتكابها وجمع الادلة عليهم، بما يسلتزم ذلك من ضبط المواد الجرمية وإجراء كشوفات حسية على اماكن وقوع الجرائم ودراسات علمية وتقنية على ما خلفته من اثار ومعالم…”.

فإذا سقط انسان من الطابق العاشر الى الارض وقضى نحبه فلا بدّ من التثبت اولاً ما إذا كان أصيب بسكتة قلبية أو تعرض لزلة قدم او سقوط الموضع الذي كان يقف عليه المتوفي بسبب يعود لقدم عهده او رداءة صنعه. وفي هذه الاحوال يكون هناك حادث لا فعل جرمي ولا فاعل لجريمة. اما إذا كان الضحية قد تم دفعها للسقوط او تعرضت لاطلاق نار او ضربة بألة حادة اختل معها توازنها فسقطت فيكون هناك فعل جرمي وبالتالي فاعل وجريمة.

أما “ المحقق العدلي ” فهو قاضي التحقيق ويقوم بالمرحلة الثانية من التحقيق التي تسمى: التحقيق الابتدائي، ولا يمكنه او يجوز له ان يقوم بالتحقيق الاولي ولا بالتحقيق في حادث لا يؤلف فعلاً جرمياً وبالتالي ليس بجريمة. بل ان التثبت من وجود فعل جرمي من عدمه يعود للنيابة العامة. فإذا لم يكن في الامر من فعل جرمي فلا يكون هناك من فاعل أو جريمة ولا تحرك النيابة العامة المختصة الدعوى العامة، ولا يعود هناك من دور لقاضي التحقيق او المحقق العدلي. وهذا هو الحال الحاضر. فياسكو.

فياسكو رقم 3

ومن جهتها فإن وزيرة العدل عيّنت “ محققاً عدلياً ” دون ان يكون في الملف ما يثبت وجود فعل جرمي او ان يصدر تقرير عن جهة رسمية مكلفة بإستقصاء واقعة انفجار المرفأ يفيد وقوع فعل جرمي والاشتباه ان امكن من ارتكبه. وهذا العمل هو فياسكو كسابقيه.

فياسكو رقم 4

بعد قيام وزيرة العدل “ بتعيين ” المحقق العدلي الاول ادعى النائب العام التمييزي لديه على مجهول بجريمة ما ولا يعرف ما إذا كانت من الجرائم التي نصت عليها المادة 356 أ.م.ج. بإعتبارها من الجرائم الواقعة على امن الدولة طالباً توقيف فاعلها وذلك دون وصف الفعـل الجرمي لان الفعل الجرمي كما توجب المادة 62 أ.م.ج. لم يكن معروفاً له. ولا يزال غير معروف حتى لحظة كتابة هذا المقال سواء له أو “ للمحقق العدلي ”.

وفي ذلك مخالفة فاضحة للقانون ! فياسكو.

فياسكو رقم 5

تمنع المادة 59 أ.م.ج. على قاضي التحقيق ان يباشر التحقيق خارج حالة الجريمة المشهودة الا بناءً على ادعاء النيابة العامة. لكن المادة 60 أ.م.ج. نصت على ما يلي:

“ يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى العامة بصورة موضوعية له ان يستجوب بصفة مدعى عليه كل مشتبه في ارتكابه الجريمة…”.

ونصت المادة 362 أ.م.ج. في “ باب المجلس العدلي ” على ان المحقق العدلي:

“ يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية. إن أظهر التحقيق وجود مسهم في الجريمة فيستجوبه بصفة مدعى عليه ولو لم يرد اسمه في عداد من ادعــت عليهم النيابة العامة ”.

وهاتان المادتان 60 و362 أ.م.ج. هما اللتان استقى منهما المحقق العدلي زعماً صلاحية إصدار ورقة احضار رئيس مجلس الوزراء الاستاذ الدكتور حسان دياب لاستماعه واستجوابه بصفة مدعى عليه في انفجار المرفأ وذلك دون تحديد الفعل الجرمي والمادة في القانون التي تعاقب عليه.

جاء في كتاب الاستاذ الدكتور عاطف النقيب عن اصول المحاكمات الجزائية (ص 499):

“ إن على قاضي التحقيق يضع يده على الجرم المدعى به ليحقق فيه جمعاً للادلة عليه وكشفاً  لفاعليه. فإذا اهتدى الى فاعل له إستدعاء واستجوبه بصفة مدعى عليه به وان لم يكن ادعاء النيابة العامة قد تناوله قبلاً اذ ان هذا الادعاء ينصب على الفعل الجرمي فيبقى لقاضي التحقيق ان يكتشف من ارتكبه ليعتبره مدعى عليه فإن اكتشفه استجوبه…

 

(وهو) يتناول بتحقيقه فعلاً ليعطيه الوصف الذي يتناسب معه وليس جريمة معينة بوصف قانوني ثابت لا يسعه ان يحوّر فيه…”.

وان من يقرأ “ ورقة الحضور ” لا يمكنه الا ان يستنتج ان المحقق العدلي “ اهتدى ” الى الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب “ واكتشف ” انه من ارتكب جريمة تفجير المرفأ او أسهم في ارتكابها ولهذا فإنه كلف القوى العامة بإحضار الرئيس دياب اليه قسراً لاستماعه واستجوابه بشأنها.

ولا يمكن لمن يقرأ ورقة الحضور ويصدّق ما جاء فيها الا ان يتخيل الاستاذ الدكتور الرئيس دياب مقنع الوجه ومتسللاً الى حرم مرفأ بيروت تحت جنح الظلام وهو يحمل شنطة تحتوي على ادوات التفجير. فهل يعقل ؟ فياسكو.

فياسكو رقم 6

ولو افترضنا جدلاً ان كل امر مما سبق ذكره صحيح وموافق للقانون فإن مضمون “ ورقة الحضور ” يخالف الاحكام القانونية الصريحة الواجب التقيّد بها تحت طائلة البطلان وهي ما نصت عليه المواد 107 و147 و149 أ.م.ج.

فقد أوجبت المادة 107 أ.م.ج. ان تتضمن ورقة دعوة المدعى عليه ومذكرة احضاره الصادرتين عن قاضي التحقيق:

– بياناً بتاريخ صدورها.
– بياناً بهوية المدعى عليه.
– وصف الجريمة المسندة اليه.
– المادة القانونية المنطبقة عليها.

كما اوجبت ابلاغ  مذكرة الاحضار الى المدعى عليه.

أما المادة 147 أ.م.ج. وما يليها فقد تضمنت اصول تبليغ اوراق الدعوة من المذكرات والاحكـام والقرارات الصادرة عن القضاء بمن فيه قاضي التحقيق. فأوجبت إصدار وثيقة تبليغ يذكر فيها:

– إسم طالب التبليغ ومأمور التبليغ.
– اسم المطلوب تبليغه وعنوانه.
– الفعل الجرمي موضوع الملاحقة او التحقيق  او المحاكمة.
– النص القانوني الذي يعاقب عليه.
– صفة المطلوب تبليغه (مدعٍ، مدعى عليه، شاهد، إلخ…).

وجاء في المادة 149 أ.م.ج. ان على المرجع القضائي، في حال عدم مراعاة اجراء التبليغ، إعلان بطلان التبليغ.

ولكن، وبالاطلاع البسيط على “ ورقة الاحضار ” يتبين انها فياسكو لأنها لا تراعي ابداً احكام المواد 107 و147 و149 أ.م.ج. وأهمها إيجاب ان تتضمن:

– وصف الجريمة المسندة الى المدعى عليه، وهو الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب.
– النص القانوني الذي تعاقب عليها.

فياسكو.

فياسكو رقم 7

من الساطع من ورقة الاحضار انها غير موجهة الى الرئيس دياب بصفته الشخصية بل بصفته رئيس الحكومة اللبنانية وتحدد محل اقامته بأنه السراي الحكومي، أي انها تسند اليه الجريمة غير المذكورة فيها بصفته الرسمية.

كما ان الورقة تستند الى المواد 95 و106 و107 و183 و248 أ.م.ج. فجاء في تلك المواد:

المادة 95: على من أوجب حضوره للادلاء بشهادته ان يمثل امام قاضي التحقيق

المادة 106: يصدر قاضي التحقيق ورقة دعوة للمدعي الشخصي او المدعى عليه او الشاهد

المادة 107 : يجب ان تتضمن ورقة دعوة او إحضار المدعى عليه وصف الجريمة المسندة اليه والمادة القانونية المنطبقة عليها

 المادة 183: معاقبة الشاهد الذي تخلف عن الحضور في المحاكمة امام القاضي المنفرد!

المادة 248: ادارة الجلسات وسماع الشهود امام محكمة الجنايات!

وإن مضمون هذه المواد يؤلف جزءاً اساسياً وغير قابل للتجزئة من حق الدفاع الذي هو حق جوهري من حقوق الانسان، وبعضها لا يتعلق بقاضي التحقيق بل بالقاضي المنفرد او محكمة الجنايات، لكن ورقة إحضار الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب انتهكتها باجمعها واغفلتها !

فياسكو ليس بحاجة الى مزيد من الايضاح !

فياسكو رقم 8

تجاهل المحقق العدلي النص الصريح للمادة 85 أ.م.ج. وهو:

“ إذا إقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب او رئيس مجلس الوزراء فينتقل قاضي التحقيق مع كاتبه الى مقره ويستمع الى افادته ”.

أي ان أيا من الرؤساء الثلاث لا يُستحضر قسراً الى مقر المحقق العدلي ولا يمثل امامه، بل يذهب اليه. فياسكو.

فياسكو رقم 9

تجاهل المحقق العدلي النصوص الصريحة للدستور واهمها ان رئيس مجلس الوزراء ليس من الوزراء بل يرأس مجلس الوزراء الذي تناط به السلطة التنفيذية عملاً بالمادتين 17 و64 من الدستور، فهو رئيس السلطة التنفيذية الا انه لا يمارس تلك السلطة بمفرده بل ان الذي يمارسها هو مجلس الوزراء مجتمعاً.

فقد تحددت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في المادة 64 من الدستور وليس من ضمنها ان يمارس بمفرده اية سلطة تنفيذية.

وجاء في المادة 65 من الدستور ان القوات المسلحة، وهو تعبير يشمل الجيش والقوى الامنية كافة بما فيها الضابطة الجمركية، تخضع لسلطة مجلس الوزراء ومن صلاحية المجلس:

السهر على تنفيذ القوانين والانظمة والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء ”.

اما المادة 66 من الدستور فإنها نصت على ان يتولى الوزراء ادارة مصالح الدولة

ويناط بهم تطبيق الانظمة والقوانين كل بما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته وما خص به، ويتحمل الوزراء اجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون افرادياً تبعة افعالهم الشخصية.

وأخيراً فإن المادة 70 من الدستور اناطت بمجلس النواب وحده ان يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم دون افعالهم الشخصية (خارج إطار الاخلال بالواجبات التي نص عليها الدستور في المادة 66 منه التي سبقت الاشارة اليها).

فياسكو !

فياسكو رقم 10

ان الوظيفة الاصلية التي عيّن فيها المحقق العدلي بآخر مرسوم للتعينات القضائية هي رئيس غرفة استئنافية في بيروت. وتتولى هذه الغرفة وظيفة محكمة الجنايات بموجب قرار وزاري بتوزيع الاعمال. وهذه الهيئة هي من المحاكم التي تمارس السلطة القضائية التي نصت عليها المادة 20 من الدستور.

أما القاضي الذي عينته وزيرة العدل محققاً “ عدلياً ” فإنه لا يمارس السلطة القضائية بل هو مجرد قاضي تحقيق يمارس التحقيق الابتدائي

كما جاءت الاشارة اليه اعلاه ولا يجيز له الدستور، بصفته محققاً عدلياً، ممارسة سلطة قضائية.

وإن مما يخلق بلبلة لا مثيل لها في الدنيا ان نظام المجلس العدلي لا يتضمن درجتين للمحاكمة بل درجة وحيدة، مما يخالف ابسط القواعد المتفق عليها عالمياً لحماية حقوق الانسان، وإن هذا النظام، الذي جاء النص عليه في قانون اصول المحاكمات الجزائية، لا يقيم اجراءات للطعن بقرارات واعمال المحقق العدلي الذي تشمل صلاحياته ليس الظن فحسب بل الاتهام ايضاً.

لذا فإن صلاحيات المجلس العدلي ومحققه يجب ان تفسر تفسيراً ضيقاً وفي حال التضارب بينها وبين احكام المادة 70 من الدستور فإن هذه الاحكام الاخيرة هي التي تطبق.

وليس المجلس العدلي بهيئة دائمة بل انه يبرز الى حيّز الوجود كلما قرر مجلس الوزراء ان يحيل اليه اية دعوى من الدعاوى التي هي قيد النظر امام احد القضائيين العسكري او العدلي (المادتان 355 و356 أ.م.ج.) في احدى الجرائم المعاقب عليها بالمواد التالية التي حددت نطاق اختصاص المجلس العدلي:

– المادة 270 ـــــ 336 من قانون العقوبات وهي التي تؤلف الباب الاول من الكتاب الثاني منه وعنوانه: “ الجرائم الواقعة على امن الدولة ”وفيها ومنهاالاعتداء على امن الدولة الخارجي بالخيانة او دس الدسائس او حمل السلاح في صفوف العدو او شل الدفاع الوطني بأية وسيلة كانت او التجسس او ايواء جواسيس العدو او النيل من هيبة الدولة في زمن الحروب والاعتداء على امن الدولة الداخلي ومنها الاعتداء الذي يستهدف تغيير الدستور بطرق غير مشروعة واثارة العصيان المسلح ومنع السلطات القائمة من ممارسة وظيفتها المستمدة من الدستور واغتصاب سلطة سياسية او مدنية او عسكرية او الفتنة بإثارة الحرب الاهلية وترؤس العصابات المسلحة وارتكاب الاعمال الارهابية واثارة النعرات المذهبية او العنصرية والتجمعات المسلحة وكل فعل من شأنه اعاقة اللبناني عن ممارسة حقوقه او واجباته المدنية وتأليف جمعيات الاشرار وعصابات السلب بقوة السلاح.

– (في شأن صفقات الاسلحة والاعتدة فحسب) المواد 350 ـــــ 366 وفيها التماس او عرض او قبول الرشوة والاختلاس او استثمار الوظيفة والمواد 376 ــــ 378 ومنها اقدام الموظف على مخالفة واجبات مهنته بقصد جلب المنفعة او الاضرار بالغير وجرائم الموظفين بإساءة استعمال السلطة، والتزوير، والمادة 138 و140 قضاء عسكري المتعلقتين بالتزوير والسرقة والاختلاس.

وإن مجموع هذه المواد هو 70 مادة تتناول عشرات الافعال الجرمية المحتملة، فأي فعل جرمي يسنده “ المحقق العدلي ” او يرغب في اسناده الى الاستــاذ الدكتور الرئيس حسان دياب وعلى أية مادة ينطبق ؟ لا يوجد ! وإن وجد فإن من حق الشعب اللبناني أن يعلم. فياسكو !

فياسكو رقم 11

ليس هناك في الملف ما يدل على وقوع فعل جرمي يعاقب عليه بأحدى المواد المنوه عنها اعلاه. فقد شرعت العقوبات لمعاقبة الفاعل وشريكه ومحرضه على فعل او عدة افعال نشأ عنها ضرر بالاشخاص او الاموال.

لكنه لم يتم بعد، في ملف انفجار المرفأ، تحديد ما إذا كان الانفجار هو تفجير نتج عن فعل جرمي. ولم يسبق إحالة الملف دون الدعوى، لعدم وجودها، الى المجلس العدلي التوصل الى أي استناج في شأن ما إذا كان هناك من فعل تربطه بالانفجار علاقة سببية وماهية هذا الفعل وذلك من اجل تمكين التفتيش عن فاعل وشريك او شركاء له و/أو محرض عليه.

وان التحقق من وجود فعل وفاعل هو أمر مادي/فني يقوم به اختصاصيون في اطار التحقيق الاولي وهو شرط مسبق وضروري ولا يمكن الاستغناء عنه لفتح ملف التحقيق الابتدائي، وفي الحالتين بمبادرة من النيابة العامة، ولا يدخل ضمن اختصاص المحقق العدلي. وفي المثل الذي سبق ان اعطيته عن سقوط انسان من الطابق العاشر فإنه قد يتبين من الطب الشرعي ان سبب السقوط ان المتوفي اصيب بسكتة قلبية مما افقده التوازن وقد تكون الوفاة حصلت قبل السقوط او بعده. ولا يكون هناك من فعل جرمي. ويكون الحادث من نوع القضاء والقدر.

ولو انه اتصل بعلم “ المحقق العدلي ” ان في الامر فعلاً جرمياً مكتمل الاوصاف فإن هذا العلم لا يمكن الا ان يظهر في تقرير فني صادر في التحقيق الاولي من جهة ذات اختصاص وتتبع احدى الاجهزة الامن التابعة بدورها لوزارة الداخلية. وإن وجد مثل هذا التقرير فإن على وزير الداخلية نشره ولا سيّما إذا كان الفعل الجرمي بالاعتداء على امن الدولة الخارجي او الداخلي منسوباً الى رئيس مجلس الوزراء الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب. وهو أمر من الخطورة بمكان بحيث يتوجب على الوزير ان يطلع مجلس الوزراء ومجلس النواب بل والشعب عليه.

وفي غياب مثل هذا التقرير الفني فإن ما قام به المحقق العدلي الحالي والمحقق العدلي الذي سبقه ومعهما النيابة العامة التمييزية سابق لاوانه وبالطبع، وفي الاصل، للجوء الى المجلس العدلي من جانب مجلس الوزراء.

ليس ذلك فحسب بل ان جلّ ما حصل منذ قرار مجلس الوزراء بإحالة الانفجار الى المجلس العدلي يؤلف اخلالاً خطيراً بل ومعتوهاً بالاحكام القانونية الصريحة بلغ ذروته بإصدار ورقة احضار رئيس المجلس الذي يمارس السلطة التنفيذية وبالتالي رئيس تلك السلطة الدستورية الاساسية قسراً.

ولسوف يؤثر هذا الاختلال بصورة ظالمة وغير قابلة للتبرير على شخص الاستاذ الدكتور حسان دياب من الآن والى الابد. فإذا تعرض شخص مثله الى مثل هذه البلاهة فماذا يمكن ان يحصل للاشخاص العاديين الذي تسحقهم آلة العدالة الظالمة كل يوم بإنتهاك الاحكام القانونية الصريحة ؟

وتحضرني بهذه المناسبة ثلاثة قضايا منها قضيتان تعرض لهما محاميان ذائعا الصيت.

القضية الاولى اتهم بها المحامي الكبير الأول وهي محاولة تفجير مجلس النواب بإستعمال قنبلة واشتهرت بإسم: قنبلة البرلمان. وقد ادانته بها محكمة الجنايات دون اي دليل. فعرض عليه رئيس الجمهورية عفواً خاصاً. لكن المحامي رفض قبوله وقدم طلباً لاعادة المحاكمة وما لبث ان ربح الدعوى ونال البراءة لكنه خسر زهاء سنة من عمره محجوز الحرية.

أما القضية الثانية فإن النيابة العامة ادعت فيها على المحامي الكبير الثاني بجرم انتحال صفة محام مما اثار ضجة دولية ولا سيّما لدى الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق الانسان ووصفت كاتبة في جريدة وال ستريت جورنال الامريكية نسبة هذا الجرم الى المحامي بالمضحك معتبرة ان الجهات السياسية التي كانت تقف وراء الملاحقة هي التي تنتحل صفة حكومة دولة ذات سيـــادة ! ومع ان مدة حجز حرية المحامي كانت ثلاثة اسابيع فإن تبرئته من هذا الادعاء الكاذب استغرقت عشر سنوات !

أما القضية الثالثة والأشد فظاعة فهي توقيف أربعة من كبار الضباط لمدة أربع سنوات دون محاكمة بمذكرة أصدرها محقق عدلي أسند إليهم مجتمعين جريمة إغتيال المرحوم رفيق الحريري ودون أن يتوافر أي دليل على علاقة ما لأي منهم بتلك الجريمة.

لذا فإنه يجب وضع حدّ لاعمال البلاهة التي تمارس في اطار النظام القضائي لان وظيفة هذا النظام هي تحقيق العدالة عن طريق احقاق الحق وبإحترام القانون. وهذه أيضاً مهمة وزير عدل يقرأ القانون ويسهر على حسن تطبيقه وعلى حماية حقوق الانسان مهما كان شأنه، وسواء كان انساناً بسيطاً او استاذاً جامعياً او محامياً او حتى رئيساً لمجلس الوزراء.

وإن كان في ملف المحقق العدلي من افعال اعتداء على امن الدولة الداخلي فإنها افعاله.

ولا بدّ من تحميل المسؤولية عن ما حصل ويحصل من اجهاض العدالة والتستر على الوقائع الصحيحة بل طمسها وحجبها عن من يجب تحميله لها. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنه لا يجوز القول ان نترات الامونيوم نزلت في مرفأ بيروت. والصحيح انها انزلت فيه بناءً لامر على عريضة (لا يجوز وصفه بعبارة “ قرار قضائي ” فإنه ليس كذلك !) اصدره قاضي العجلة في حينه السيد جاد معلوف الذي عين عليها حارسا قضائيا لم يقبل المهمة وتم تنفيذ الامر بمحضر وضعه كاتبه السيد زياد شعبان الذي سطر محضراً بالمهمة.

وبتنفيذ هذا الامر والاوامر اللاحقة له فان السيد معلوف تجاهل وتجاوز الانظمة الجمركية والامنية التي وضعها القانون للدخول الى البلد والمرفأ والبقاء فيه. فابدى المسؤولون عن وفي المرفأ احترامهم للقضاء واعتبروا عن حق او خطأ ان القاضي معلوف يضع يده على مسألة الشحنة التي تم ادخالها البلاد. وراسلوه في الامر لكنه تجاهل مراسلاتهم ورد عليها باجوبة وجهها الى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل في نوع فريد من حوار الطرشان. لكن هل انه كان في وسع السيد معلوف وانطلاقا من معلوماته العامة ان يقدر وجود خطر من الشحنة التي أمر بإدخالها البلاد بحيث كان عليه ان يتخذ عفوا التدابير اللازمة للوقاية ؟ ابداً. ولكن سلوكه قد يجيز مساءلته تأديبيًا. وكذلك سلوك رئيسة دائرة التنفيذ التي يشاع انها رخصت بإلقاء الحجز الاحتياطي عليها أو على شحنة النترات مما خلق حالة قانونية منعت اخراجها من البلاد بإعادة شحنها. وسلوك المحامين الذين طلبوا القاء الحجز الاحتياطي. فإعتبر المسؤولون في مرفأ بيروت، عن خطأ وان بحسن نية مقرونة بالبلاهة، ان الشحنة هي تحت يد القضاء. أي قضــــاء ؟!