عيوب البطلان في مرسوم المناقلات والتعينات القضائية

ما أن نُشر المرسوم رقم 1570 المؤرخ في 10/10/2017 بإجراء المناقلات والتعيينات القضائية في عدد الجريدة الرسمية رقم 48 تاريخ 12/10/2017 حتى تعرض لإنتقادات واسعة وعلنية.

ومن جهتي، وبصرف النظر من كل تلك الانتقادات، فإنني حريص على التأكد من توافر أعلى المعايير والشروط القانونية في كل الاعمال الصادرة عن القضاة أو المتعلقة بهم.

وفي المسألة الحاضرة تبيّن لي أن المرسوم المذكور مشوب بعيب البطلان بسبب مخالفة النص الصريح في المادة 5 من قانون القضاء العدلي وهو:

“ لا يرقّى ولا ينقل اي من أعضاء مجلس القضاء الاعلى طوال مدة ولايته.”

فقد نص المرسوم 1570/2017 على انه صدر بناءً على قرار مجلس القضاء الاعلى المؤرخ (يوم الثلاثاء) في 3/10/2017 وإقتراح وزير العدل. لكنه كان من أعضاء المجلس حينها على وجه أكيد القاضي عفيف حكيم الذي تمت ترقيته فيه الى رئيس غرفة في التمييز.

وفوجئت أنه نُشر في العدد التالي للجريدة الرسمية رقم 49 وتاريخ 19/10/2017 المرسوم رقم 1566 تاريخ 10/10/2017 بقبول استقالة القاضي عفيف حكيم من عضوية مجلس القضاء الاعلى.

ومع ان المرسوم 1566 لا يذكر تاريخ تقديم القاضي حكيم لاستقالته فإن هذه الاستقالة لم تصبح نافذة الا يوم قبولها في 10/10/2017 عملاً بالقاعدة العامة التي كرستها المادة 132 من قانون القضاء العدلي المعطوفة على المادة 64 من قانون الموظفين وهو ايضاً يوم ترقية القاضي حكيم بتعيينه رئيس غرفة في محكمة التمييز.

ومن الثابت انه كان عضواً في مجلس القضاء الاعلى في 3/10/2017 يوم اتخذ المجلس قرار المناقلات والتعيينات القضائية التي بنى عليه المرسوم 1570 والذي تمت بموجبه الترقية.

ولم ينص المرسوم 1570 على ترقية عضو المجلس القاضي محمد وسام المرتضى، لكنه عينه بالانتداب قاضياً ملحقاً بأمانة سر مجلس القضاء الاعلى، مما يؤلف نقلاً يقع تحت المنع المنوه عنه، وفي حين ان القاضي المرتضى هو امين سر المجلس. فكيف يتم انتدابه لالحاقه بنفسه؟ والا يؤلف هذا النقل بالانتداب ترقية مقنعة بحيث يستمر القاضي المرتضى في ممارسة نشاطه واقعياً في امانة سر مجلس القضاء الاعلى بعد انتهاء مدة عضويته في المجلس ؟

فكيف تمت مخالفة النص الصريح في المادة 5 من قانون القضاء العدلي مما ينشأ عنه عيب البطلان ؟

وبالاضافة لما تقدم، يلاحظ ان المرسوم 1570/2017 تضمن الكثير من الانتدابات، فقد انتدب قضاة عديدون لاشغال وظيفة بالانتداب بالاضافة الى وظيفتهم الاصلية. لكن قانون القضاء العدلي لم ينص ابداً على الانتداب بل أجاز الوكالة بشروط معينة وفي وظيفة واحدة.

وفي حين ان الانتداب، كما تعرفه المادة 46 من قانون الموظفين هو:

“ إعفاء الموظف من مهام وظيفته الاصلية وإسناد مهمة أخرى اليه بصورة مؤقتة.”

فتكون كل الانتدابات التي نص عليها المرسوم 1570/2017 معيوبة ومنعدمة.

ومن جهة أخرى، وبالرغم من صدور مرسوم المناقلات والتعينات القضائية فإن هذا المرسوم لم يوضع موضع التنفيذ فور نفاذه بإنتظار تبليغه الى القضاة فرداً فرداً وبإنتظار صدور قرار توزيع الاعمال عن وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى وبناءً لاقتراح الرئيس الاول لكل من محاكم الاستئناف في الجمهورية. واليوم هو آخر الاسبوع الثاني التالي لصدور المرسوم، دون ان يصدر القرار.

وكان من الضروري صدور مرسوم المناقلات والتعيينات وقرار توزيع الاعمال في آن معاً مع التشديد على اعتبارهما نافذين فور نشرهما في الجريدة الرسمية، وإحتراماً للنص القانوني الصريح فإنه كان من الواجب أولاً تعيين الرؤساء الاول لمحكمة الاستئناف.

وكان من الممكن بذلك عدم تعريض المحاكم لسبب جديد من اسباب التأخير والشلل بعد إعتكاف القضاة ثم المحامين ثم المساعدين القضائيين.