كتاب مفتوح إلى نقيب المحامين حول تطوير العلاقة بين القضاة والمحامين من أجل حسن سير العمل في قصور العدل

وصلنا من الزميل الأستاذ هادي خليفة الكتاب المفتوح الذي وجهه الى نقيب المحامين في بيروت وهذا نصه:

تصدَر عنوان جريدة السفير يوم الاربعاء الواقع في6/2/2013 عنوان : مـن يوقــف إنحـــلال الدولــــة؟

وعلى هذا السؤال نجيب:

إن من يوقف إنحلال الدولة هو السلطة القضائيـــــــة،

ومن يمنع عدم تصدع السلطة القضائية؟ المحامـــون،

وإنطلاقاً من ذلك أستهل في مقاربة هذا الموضوع إستناداً الى نص المادة الاولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة الذي يلتحم الى حدٍ كبير مع ما سبق وقاله الكاتب الفرنسي الشهيرVoltaire :La plus belle fonction de l’humanité est celle de

 rendre justice

 إن إصلاح مسار العمل في المحاكم ينطلق أولاً وأخيراً في ما يقوم به المحامي أثناء أدائه لواجبه في المرافعة والمدافعة في سبيل تحقيق العدالة ،

يقتضي على كل محامٍ ان يتمعـّن في نص المادة الاولى من قانون تنظيم المهنة كي يشكل له هذا النص وسيلة لارشاده ان مهنة المحاماة هي رسالة تقوم على تحقيق العدالة، ولا يجب ان ينظر اليها  كهدف لتأمين لقمة العيش بل إن المهنة تتطلب من كل محامٍ التضحية خاصة في بداية حياته  كي لا تشكل له المهنة وسيلة لكسب المال،

إلا أنه مع الأسف تغلغلت وطغت لدى بعض المحامين فكرة الحصول على  المال على حساب الرسالة  من ما أدى الى تدني مستوى العمل وأدى الى إفقاد المهنة هيبتها وقدسيتها نتيجة بعض التصرفات النابعة من حب المال،

وإن إنحدار مستوى التعاطي مع المحامي يستشري بشكل مخيف لا سيما في السنوات العشر الأخيرة،وهذا الامر سوف يستمر بسبب سلوكية بعض المحامين الذين أفقدوا المهنة هيبتها وذلك نتيجة نمطتعاطيهم مع القضاة ومع موكيلهـــم ومع الموظفين في كافة إدارات الدولة.

إنني أؤمن ان المطلوب قبل كل شيء إصلاح أنفسنا كي نتمكن من فرض هيبة المهنة على الآخرين خاصة الجسم القضائي،

ولم يعد مقبولاً ان ينظر الى المحامي إلا من منظار فيه من الاحترام والهيبة،وكي نصل الى هذا الهدف يقتضي إصلاح الانسان – المحامي – عبرإثقال شخصيته بالسلوك الحسن والمعرفة، وأنه لدرب شاق … وطويل… كي تعود المهنة مهنة الأشراف الذين يدافعون عن الحق بشرف.

إنطلاقاً من ذلك أقترح على سعادتكم ما يلــــــــــي:

أ- في الشق المتعلق بالمحامين

1- إنشأ هيئة تفتيش تؤلف من كبار المحامين المشهود لهم بالنزاهة والعلم وتقوم هذه الهيئة بمتابعة المحامين المتدرجين للوقوف على حقيقة ما يلقـّنون من معرفة وأصول تتعلق بالمهنة من قبل المكاتب المسجلين فيها،

وهذه الهيئة يتكامل عملها مع معهد المحاماة الذي يعد المحامي المتدرج من الناحية النظرية وتكون الهيئة تتابعه من الناحية العملية،

وإذا تبين لهيئة التفتيش وجود أي خلل في متابعة المحامي المتدرج يلقى صاحب المكتب عقوبات تتدرج من التنبيه وتنتهي بحرمانه من تسجيل محامين للتدرج في مكتبه.

2- التشديد على كل من يريد الانتساب الى المهنة ان يُسأل عن نص المادة الاولى من قانون تنظيم المهنة للوقوف على حقيقة نظرته للمهنة.

3- تفعيل عمل مندوبي النقابة في المناطق عبر زيادة عددهم بهدف تأمين تواجدهم في النقابة على مدار الاسبوع وطيلة أوقات الدوام الرسمي والزامهم برفع تقاريرخطية  أسبوعية دائمة تتناول أوضاع المحامين وما يواجهونه من عراقيل في عملهم وإبلاغ النقابة بكل تقصير يصدر عن عمل القضاة والموظفين كي يتم معالجته على وجه السرعة ونكون بذلك خلقنا نوع من الرقابة الذاتية في عمل المحاكم في المناطق،

أنني أقترح هذا الأمر كون قسم من مندوبي النقابة في المناطق لا يقوموا بالدور الحيوي المطلوب منهم كما قسم منهم يعمد الى التعمية على تصرفات القضاة ليتجنبوا المواجهة معهم وهذا الامر يؤدي الى فقدان حسّ تحسين العمل القضائي.

4- تعديل قانون تنظيم المهنة بحيث يلزم المحامي ان يكون إنقضى على نقله الى الجدول العام عشرون سنة كي يحق له المرافعة والمدافعة أمام محكمة التمييز،

 لعلنا بذلك  نساهم في رفع مكانة محكمة التمييز التي أصبحت الجودة في قراراتها قليلة نتيجة عدم إتقان المحامين أصول الطعن أمامها.

5- منع إطلالة المحامين عبر وسائل الاعلام إلا بترخيص خطي يصدر عن سعادة نقيب المحامين ولسبب محدد.

6- الزام المحامين بعدم التزلف امام القضاة ومخاطبتهم بكلمة ” رئيسنا ” – فالقاضي ليس رئيس على المحامي، وهذا سوف يحد من حماوة بعض الرؤوس الحامية لدى القضاة الذين يتعاطون مع المحامين بصورة أقل ما فيها أنها تفتقد الى الاحترام.

7- إصدار تعاميم دورية لحـثّ المحامين التقيد بمهل التبادل والتشديد عليهم بعدم الطعن بالاحكام جزافاً ( خاصة على سبيل المثال في دعاوى الجنح حيث اليوم أثقلت محكمة التمييز بهكذا طعون والقسم الأغلب منها يرد في الشكل) وإن هذا الأمر قد يساهم في رفع أخلاقية العمل لمهنة المحامي.

ب – في الشق المتعلق بالعمل القضائي

1- أخطر ما نعيشه اليوم هو تغلغل المذهبية داخل أروقة مجلس القضاء الأعلى إذ باتت التشكيلات القضائية تساق على منطق مذهبي حيث يقوم كل ممثل لمذهبه بإختيار القضاة وإجراء المناقلات على هذا الاساس،

وهذا الامر له مردود سلبي بجميع الاعتبارات على العمل القضائي وعلى حقوق الناس،

ويصدف في كثير من الاحيان ان الشخص يُختار لتبؤ منصب قضائي إنطلاقاً من مذهبه ويمكن ان لا تتوفر لديه الخبرة أو المعرفة الكافية ليكون في المنصب المختار له (مثال حي : ما حصل في محكمة التمييز الغرفة الناظرة في الدعاوى التجارية)،

وعليـــــه،

فانه يقتضي إطلاق صرخة مدوّية في هذا المجال لمنع إستمرار هذا الوضع الشاذ في مجلس القضاء عند إجراء التشكيلات القضائية التي يجب ان تأخذ وضع القاضي كإنسان قبل ان ينظر اليه من منظار مذهبي وهكذا نكون نساهم في تمكين الكفاءة من تبوؤ المركز وليس المذهب.

2- حـثّ وزارة العدل على تغيير قضاة هيئة التفتيش القضائي كل خمس سنوات كي تبقى الديناميكية موجودة في إجراء المراقبة الدائمة على حسن سير عمل القضاة والموظفين.

3- حثّ هيئة القضايا بتطبيق مبدأ ان الدولة خصم شريف عند تعاطيها مع ملفات المواطنين وعدم ممارسة دور لا يأتلف مع هذا المبدأ.

4- تقليص مهلة الجواب في الدعاوى الادارية الممنوحة للدولة من أربعة أشهر الى شهرين وتقليص عدد نسخ المراجعة المقدمة لتصبح ثلاث نسخ عوضاً عن ستة نسخ،

وإلزام مجلس شورى الدولة بإصدار قراراته ضمن مهل قانونية كي لا تبقى المراجعة عالقة أمامه سنوات بدون بــت،

إنشاء المحاكم الادارية في المحافظات والمنصوص عنه في المادة 4 المعطوفة على المادة 34 من قانون القضاء الاداري،

ملاحظة: ان قضاة مجلس شورى الدولة يبلغ عددهم تقريباً حوالي الخمسين قاضياً والقسم الأغلب منهم ملحق بوزارة من وزارات الدولة ومسؤول في الوقت ذاته عن لجنة إن لم يكن أكثر فكيف يمكن ان نصبو الى إنتاجية في مجلس شورى الدولة في ظل هذا الواقــــــع؟

5- التمني على وزارة العدل بمنع القضاة من التعليم نظراً لما لذلك من مردود سلبي على إنتاجية المحاكم والتمني عليها تطبيق القانون رقم 129/99 المتعلق بقضاة منصب الشرف نظراً لمدى إنعكاس هذا الأمر على عمل المحامين إذ يقدم بعض القضاة وهم في منصب الشرف الى ممارسة المهنة ويخلقوا بذلك منافسة بحق المحامين.

6- تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية بحيث تـُلزم محكمة التمييز اصدار قراراتها ضمن مهـل قانونية ملزمة تحت طائلة إعتبارها مستنكفة عن إحقاق الحـــق.

7- التأكيد على النيابات العامة عدم قبول الشكاوى إلاً بعد التأكد من جدية أسبابها وذلك لمنع المخافر من إبتزاز الناس ولمنع إرهاق المحاكم في دعاوى لا طائل منها  وتصب غالباً في إتجاه منع المحاكمة عن المدعى عليهم.

8- حـثّ محكمة التمييز على قبول طلبات نقل الدعوى للإرتياب المشروع بعد ان عمدت الى إقفال هذا الباب امام المتقاضين حرصاً منها على خلق الحماية الذاتية لتصرفات بعض القضاة.

9- تقليص دور المحكمة العسكرية الى أقصى الحدود بحيث يقتصر إختصاصها النظر بالجرائم الجنائية فقط وضد العسكريين فيما بينهم وهكذا يمكن الاستفادة من عدد القضاة الملحقين بالمحكمة العسكرية وتوزيعهم على المحاكم الأخرى (يبلغ عددهم اليوم حوالي عشرين قاضياً ).

10- يقتضي العمل بشكل فعـّال لاعادة تقسيم محافظة جبل لبنان كي يصار الى تخفيف العبء عن محاكم بعبدا بحيث يصبح في بعبدا هيكلية قضائية وفي جديدة المتن هيكلية منفصلة عنها(من رئيس اول الى نيابات عامة وقضاة التحقيق الخ…)

11- الغاء مجالس العمل التحكيمية وتحويل إختصاصهم الى القضاة المنفردين كونه كل فترة تنتهي ولاية أعضاء المجلس فيشلّ العمل في مجالس العمل التحكيمية الى حين تعيين أعضاء آخرين وغالباً ما تطول هذه التعيينات بسبب التجاذبات السياسية،

إن من يدفع الثمن هو المواطن العامل الذي يحصل على حقوقه بصورة متأخرة تمتد في بعض الاحيان الى سنوات عديدة.

في الخلاصة،

نتمنى ان يوفقكم الله في مسعاكم في تحسين الاوضاع القضائية وكافة الاوضاع المرتبطة بها لا سيما التشديد على فكرة ان المحامي هو في خدمة العدالة ويحمي الضعفاء على ما قاله العميد Josserand :La protection des faibles par le droit.

بيروت في 18/2/2013

وأقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير

هادي خليفة