كتاب مفتوح من المحامي الدكتور منيف حمدان الى معالي وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي حول قضية القاضي “المصروف” د. غسان رباح

وصلنا من الزميل الدكتور منيف حمدان نصّ الكتاب المفتوح الذي وجهه الى وزير العدل وهو:

/”إذا جـار الأميـرُ  وكاتباهُ/ وقاضي الأرض داهن في القضاءِ/

/فويل ثم ويـل ثـم ويــل/ لقاضي الأرض من قاضي السماءِ”/

قاضي قضاة مملكة سبأ في اليمن بعد يقظته

من الموت داخل قبره في مقبـرة العظمـاء.

قبل التحية،

سألت الرّب أن يُكْرِم العدالة في لبنان، فيلهمك أن تتصرّف في قضية القاضي “المصروف” د. غسان رباح، كما تصرّف وزير العدل الفرنسي Odilon Barraud في قضية الملازم الأول  Emile De La Roncière، إبن البارون De La Roncière، الذي حُفر إسمه على قوس النصر في باريس تقديراً لبطولاته….

وبعد السلام، أقول:

إن الخطب جلل، وبركان الألم مشتعل، وكل المحبين للعدالة في حالة وجوم، بانتظار بارقة أمل تصدر عن قاضٍ ينظر في قضية من القضايا الثلاث التي أقامها الدكتور غسّان رباح جزائياً ومدنياً لكشف الغطاء عن الجماعة التي خطّطت – بعيداً عن القضاء- لتركيب ملف الشريط المصور بالصوت والصورة، من أجل تلويث كرامة قاضٍ أجمع عارفوه وزملاؤه على أنه رجل عالم، نظيف الكف، عفيف النفس واللسان، ومنتصب كالرمح الرديني، فلا ينحني حتى لو وقع نصفه على الأرض…

ويحرص دائماً على أن يكون هو والمناقب صنوين، حتى ضرب به المثل في عصاميته، وترفعه عن الصغائر، وعن الوقوف في أبواب السياسيين طلباً لمركز، أو طمعاً بلجنة مدرارة، أو رغبة بسائق- مرافق، أو ترفيها برحلة إلى أوروبا في عز موسم العمل القضائي.

وبقينا معه على حال الإنتظار هذه، إلى أن قرأناك بتاريخ 18/4/2013 في جريدة النهار الغرّاء، فتوقفنا كثيراً، كما توقف غيرنا، عند قولك:  “إن صرف القاضيين قانوني. القضاء يحاسب نفسه، ودوري هو إعطاء الدفع المعنوي للأجهزة القضائية وتشجيعها لتقوم بواجباتها، وكانت لي مساهمة في إعطاء هذا الدفع والمعنويات للهيئات القضائية كي تمارس ما ينص عليه القانون”.

حول هذه العبارات المقتضبة، إنقسم الراسخون في العلم، فمنهم من رأى فيها تبريراً غير مباشر للحملة الشعواء التي شنّت على أحد هذين القاضيين، الرئيس غسّان رباح، في بعض وسائل الإعلام، مع ذكر إسمه كاملاً،وصولاً إلى اتهامه زوراً بقبض ثلاثة ملايين دولار أميركي، دون أن ينبري أحد للدفاع عنه، لا من وزارة العدل، ولا من القضاء، ولا من الذين اطلعوا على الـ C.D.، وعرفوا عدم صحة هذه الواقعة، ولا من قبل وكلائه لأنهم التزموا إحترام مبدأ السرّية في المحاكمات التأديبية، وعوّلوا على الإستجابة إلى طلباتهم الرامية إلى جعل هذه المحاكمة علنية، فأسقط في يدهم بداية وإستئنافاً.

ومنهم من قلّب تصريحك على كل الوجوه، فوجد فيه أمراً خطيراً جداً قد يصيب من العدالة مقتلاً، ومن هيبة القضاء مقتلاً،  دون أن تقصدَ ذلك، وسرّ الخطورة فيه يكمن في أمرين:

الأمر الأول، هو أنه يعني تدخلاً في أعمال السلطة القضائية، في قضية من أخطر القضايا التي تعرض على القضاء اللبناني، منذ قضية أديبتنا الكبيرة مي زياده التي أنصفها المحامي العام راجي الراعي، إذ فضح تركيب ملف جنونها، الذي قام به إبن عمها طمعاً بمالها.

وقضية إتهام زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي أنطون سعاده، بالتعامل مع ألمانيا هتلر، وإيطاليا موسوليني عام 1936، بدسيسة من أحد المحامين، أيام الإنتداب الفرنسي، فَقَيّضَ الرّب له شاهداً صادقاً هو الشاعر سعيد عقل، الذي فضح مؤامرة المحامي المخبر، وقاضياً شهماً شجاعاً هو حسن قبلان، الذي أصدر قراراً بمنع المحاكمة عنه من تهمة العمالة.

والأمر الثاني، هو أن هذا التدخل صادر عن نقيب المحامين الأسبق في “أم الشرائع بيروت” الذي عُرف عنه، محامياً ونقيباً، أنه يسير في خطى “ضمير لبنان” العميد ريمون إده في ترفعه ومناقبه، وحرصه على إستقلال السلطة القضائية، وعدم سيطرة السلطة التنفيذية عليها، وإعلان الحرب ضد كل تدخل في شؤونها.

ومنهم من رأى في تصريحك أعلاه محاولة ذكية ترمي إلى إثارة قضية القاضي غسّان رباح ، في وسائل الإعلام ، وإلى فتح باب النقاش حول صحة أو عدم صحة الـ CD، الذي عرض على كثير من الشخصيات النيابية والقضائية وعلى معاليك تحديداً، دون أن يتنبه أحد إلى مصادرته، أو إلى الإستحصال على نسخة عنه، أو إلى ضبط إفادة من عَرَضَه، أو تدوين ما سَمِع وشاهد فيه، وإعلام النيابة العامة من أجل ضبطه.

إن خطورة التهمة التي تناولتها وسائل الإعلام،  إنطلاقاً من رواية الـ CD المزعوم، حملت الدكتور غسان رباح على توجيه الرسائل المختلفة إلى كل مرجعية قضائية عُرض عليها للاستحصال على نسخة عنه، أو على نسخة من تفريغ محتواه، تمهيداً للإدعاء بتزويره، فأسقط في يده إذ أصبح هذا الـ CD “مثل قُبْع الأخفى” يتكلّم عنه كل الناس، دون أن يجرؤ أحد على إبرازه.

لو كان هذا الـ CD سليماً من العيوب لكان حائزوه سلّموه إلى القضاء حتى يقطعوا به رأس القاضي المعني به، أو لكانوا ربحوا دعواهم عنده، أو لكانوا أبرزوه في دعوى “مخاصمة القضاة”  للخطأ الجسيم التي أقاموها، أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وتجنبوا خسارتها كما خسروا دعواهم من قبل بداية وإستئنافاً وتمييزاً.

ولو كان غسّان رباح مرتكباً فعلاً، لما كان تجرّأ على تقديم شكوى جزائية مباشرة أمام قضاء التحقيق بتزوير الـ CD ومحاولة رشوته ضد شخص يحمل جنسيتين، وضد كل من يظهره التحقيق.

ولما كان تجرّأ على تقديم مراجعة، أمام قضاء الإبطال، في مجلس شورى الدولة، طعناً بقرار الهيئة العليا للتأديب، وبقرار مجلس التأديب، وبقرار الإحالة الصادر عن مجلس هيئة التفتيش القضائي، مفنّداً كل الأخطاء التي ارتكبت.

ولما كان تجرّأ على تقديم دعوى مدنية، أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت لإلزام حائز الـ CD  بتسليمه إلى المحكمة، تحت طائلة غرامة إكراهية. وكل ذلك من أجل إخضاع هذا الـ CD للفحص من قبل الخبراء المختصّين إثباتاً لتزويره.

 

معالي الوزير!

إن ملف القاضي غسّان رباح يشبه ملف محطة تلفزيون الـ MTV التي كان لي شرف الوقوف إلى جانبك، وجانب زملاء آخرين، ضد قرار إقفالها، مراهنين على شجاعة تشبه شجاعة القاضيتين العظيمتين غادة عون وتريز علاوي، في المخالفتين اللتين سطرتاهما … فخسرنا الرهان، وكان لخسارتنا مردود سيء على مسيرة القضاء… ما زال يتردد صداه حتى الآن.

ويشبه ملف الضابط الفرنسي Alfred Dreyfus الذي رُكّب له ملف التعامل مع المخابرات الألمانية، ولا ينقصه إلاّ أن يسخّر له الرّب شخصية فذّة من عيار الأديب الكبير Emile Zola، ليدبّج مقالة على غرار مقالة: “إني أتهم” (J’accuse)التي نشرها في جريدة الـ ِAurore ، وكانت السبب في إعادة المحاكمة وإعلان براءة الضابط المدان.

ويشبه ملف الضابط الفرنسي Emile De La Roncière الذي اتهمته إبنة قائد مدرسة الخيالة في Saumur البارون De Morell، بتهمة مخيفة لا تليق بضابط، فَحُكِم خطأ بفعل وقوف المربية الإنكليزية مع إبنة القائد المراهقة Marie de Morell، وإهمال المحققين لعملية الكشف الحسّي في البيت الذي وقعت فيه الجريمة المزعومة، واستحالة الدخول من ذلك الشباك.

وشاء القدر أن يُعَّين وكيل الإدعاء عن عائلة De Morell، المحامي Odilon Barraud وزيراً للعدل بعد شهرين على ربحه الدعوى، فأقام الجنرال De Morell حفلة عشاء على شرفه في منزله في Saumur ، فطلب الوزير المكرّم إلى صاحب البيت أن يُمكّنه من الكشف على الشباك، الذي قيل إن الضابط المحكوم عليه قد دخل منه إلى غرفة إبنته … فوجد أن الإرتفاع تحت الشباك شاهق جداً… وأنّ كَسْر الزجاج كان ما زال تحته لجهة الخارج، فأدرك أن الملف مركب تركيباً، من قبل شخص كان داخل البيت، فعمل جاهداً من أجل إعادة المحاكمة… ولمّا تم له ذلك برّئت ساحة الضابط Emile De La Roncière … وارتفعت أسهم  وزير العدل حتى عنان السماء.

معالي الوزير!

لو قدّر لك أن تطلع على الدعاوى الثلاث التي قدمها الدكتور غسّان رباح، وعلى أسبابها ومستنداتها، والصعوبات التي اعترضته، في سعيه للحصول على الـ CD وإخضاعه للخبرة الفنية فإثبات تزويره…

لكنتَ أدركتَ مقدارَ الظلم الذي لحق بهذا القاضي الفاضل… وبعائلته وأبنائه وأحفاده، ولكنت امتشقت يراعك، واستنهضت تاريخك المجيد، وصرخت في وجه كل الذين تطاولوا على غسّان رباح وقلتَ لهم:

لن أرضى أن يكون أميل زولا  أبلغ منّي، أو أن يكون وزير العدل Odilon Barraud  أشجع منّي… أو أن يكون حسن قبلان وراجي الراعي أعدل منّي، فأنا نقيب المحامين الأسبق في “أم الشرائع بيروت” ولا يجوز أن يسبقني أحد إلى هذا الشرف العظيم.

هيّا معالي الوزير … أقدمْ… مثل راجي الراعي أقدمْ… أو مثل أميل زولا أقدمْ… أو مثل أوديلون بارو أقدمْ… أو مثل حسن قبلان أقدمْ… فاللحظة ملائمة لفتح ملف المحاكمات السرية أمام وسائل الإعلام، إحتراماً لقاعدة “العلنية” في المحاكمات.

هيّا أقدمْ، على غرار ما صرّحتَ به أعلاه، والعب دورك في “إعطاء الدفع المعنوي للأجهزة القضائية لتقوم بواجباتها” من أجل مصادرة الـ CD المزعوم وإخضاعه لفحص الخبراء المختصيّن إحتراماً لقاعدة “الوجاهية” في المحاكمات، واعمل المستحيل لإعادة محاكمة الدكتور غسان رباح علناً.

واصرخ أمام الملأ: “إن كل محاكمة تفتقر إلى قاعدة العلنية، أو إلى قاعدة الوجاهية، أو إلى القاعدتين معاً، كما هي الحال في قضية الرئيس غسان رباح، هي محاكمة باطلة بطلاناً مطلقاً وتؤدّي حتماً إلى بطلان الحكم الذي يصدر بنتيجتها”.

هيّا أقدمْ ولا تبالي… فكل الأمجاد تنتظرك  على المفرق… إنها أعظم من تاج كسرى، وأهم من جواهر سلاطين بني عثمان… إنها بمستوى كتاب النبي لجبران خليل جبران.

وإن أُسقط في يدك اليوم، وحال حائل دون وصولك إلى هذا المجد العظيم، فإني أدعوك إلى مخاطبة أهل الفكر ونواب الأمة، لإصدار قانون يجعل كل المحاكمات التأديبية علنية، مع مفعول رجعي لتشمل كل المحاكمات التي صدرت فيها أحكام نهائية بما في ذلك محاكمة الرئيس  غسّان رباح.

وإن وُفْقتم إلى ذلك تكونوا قد قدمتم خدمة جلّى لمنعة القضاء… فيدان القاضي الذي يستحق الإدانة أمام الملأ… ويُفقأ الحصرم في عينيه، ويكون الحكم بصرفه أو بعزله مثلاً رادعاً لغيره.

وإذا بُرّئت ساحة قاضٍ محال، تُبرّأ ساحته علناً، وتُلطم باللعنة وجناتُ المخبرين، والمحققين المقصرين، وكل الذين يبنون قناعتهم على معلوماتهم الشخصية، فيدرك الرأي العام أن التهمة باطلة، وأن البراءة مجلجلة، وأن القضاء بألف خير.

وإلى أن تتمكنوا من إنجاز هذه المهمة – الرسالة ، فإني أدعو معالي الوزير النقيب، إلى أن ينشر قرار الصرف وفقاً لنّص المادة (88) من قانون القضاء العدلي، مع دعوة إلى أصحاب الفكر لمناقشته، كما يحصل في كل القرارات الكبرى.

أنا مكانك … لما ترددت.

المحامي د. منيف حمدان