وزير العدل : قاضيان الى التأديب

( راجع أولاً مقال 31/5/2013 وعنوانه : من يحقق في الشبهات التي تطال قصر العدل والمنشورة في جريدة الأخبار) .

جاء الإعلان الصادر عن مكتب وزير العدل ، بشأن إحالة قاضيين الى المجلس التأديبي ووقف أحدهما عن العمل ، مخالفاً للمادة 88 قضاء عدلي. ويتبين من مجمل ما نشرته وسائل الإعلام ، وآخرها ما ورد في ندوة تلفزيونية مساء يوم الاربعاء في 12 حزيران 2013 ، ان المسألة التأديبية نشأت عن ترك أو توقيف مجموعة من الشبان بحيازة مخدرات و/ أو الإتجار فيها . وقد اشترك حتى الآن في النظر بهذا الملف ، الذي ما يزال في مرحلة تمهيدية ، القضاة رنده يقظان وبلال ضناوي ( نيابة عامة ) حعفر قبيسي (تحقيق ) ندى دكروب وشربل رزق ( هيئة إتهامية ) .

فأحيل الى المجلس التأديبي كل من رنده يقظان وجعفر قبيسي . وأوقف هذا الأخير وحده من العمل . وعلى خط موازٍٍ ، قيل أن من ضباط ورتباء قوى الأمن الداخلي من أُحيل على المجلس التأديبي الخاص بهم .

من الصعب إعطاء رأي مسبق في ملاحقة تأديبية ، كأية قضية أخرى ، دون الإطلاع على ملفها لا سيّما وأنها سرية وأوجب القانون أن تبقى سرية . إذ نصت المادة 88 من قانون القضاء العدلي على الآتي :

‘‘ لا يجوز نشر أو إعلان أية معاملة من معاملات الملاحقة التأديبية ما عدا القرار النهائي إذا تضمن عقوبة الصرف من الخدمةأو العزل ’’ .

إلا أن ما يتم تداوله هو أن سبب الملاحقة التأدبية هو ترك ، أو عدم توقيف ، أو إخلاء سبيل ، بعض المشتبه بهم في القضية التي إثارتها جريدة الأخبار ، في حين أنه تم توقيف أحدهم مع أنه مقعد وبحاجة لعناية طبية دائمة في مستشفىخاص على نفقة أهله وتحت حراسة أمنية .

الأصل هو الحرية . وان واجب السلطات العامة هو المحافظة عليها . وان ترك المشتبه به حراً  لا يشكل، في المبدأ ، مخالفة أو جرماً . وان التوقيف هو الإستثناء . فليس التوقيف بالعقوبة بل هو تدبير إحتياطي لا يجوز اتخاذه إلا عند توافر شروط تنص عليها المادة 107 أ.م.م.

فإذا تم ترك المشتبه به دون توقيف فلا ملامة على النيابة العامة . أما إذا اتخذ القرار بتوقيفه دون توافر الشروط القانونية فإن من يتخذ هذا القرار يصبح عرضة للملاحقة التأديبية بل والملاحقة الجزائية بجناية التعدي على الحرية . وهذه هي الشروط التي توجبها المادة 109 أ.م.ج. للتوقيف :

(1) أن يكون الجرم معاقباً عليه بالحبس أكثر من سنة . وهذا شرط لازم على ان يقترن مع واحد من سائر الشروط أدناه .

(2) ان يكون التوقيف الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات والعناصر المادية للجريمة .

(3) ان يهدف التوقيف الى منع المشتبه به من ممارسة الإكراه على الشهود أو المجني عليهم أو الإتصال بشركائه في الجريمة .

(4) ان يكون التوقيف وسيلة لحماية المشتبه به .

(5) أن يهدف التوقيف الى منع المشتبه به من الفرار .

وأجازت المادة 111 أ.م.ج. نظاماً لوضع المشتبه به تحت المراقبة القضائية بدلاً من التوقيف . ويشتمل هذا النظام على الزام المشتبه به بواحد من الأمور التالية :

(1) الإقامة في بلدة معينة وعدم مغادرتها .

(2) إيداع جواز سفره وإعلام مديرية الأمن العام بذلك .

(3) عدم التردد على أماكن معينة .

(4) إثبات الوجود دورياً لدى مركز المراقبة .

(5) الخضوع لفحوص طبية ومخبرية دورية .

(6) تقديم كفالة .

فإذا أخل المشتبه به بأحد الإلزامات المفروضة عليه بموجب نظام المراقبة القضائية يتم توقيفه بمذكرة توقيف .

من الممكن أن القضية في مجملها تقوم على صرف النفوذ داخل القوى الأمنية أو رشوة وتتعلق بشبكة خطيرة لتجارة المخدرات وتوزيعها . ومثل هذه القضية جنائية لا تأديبية. والمطلوب هو أن يتم التحقيق فيها بكل حرص وجدية، وان ينال من تثبت إدانتهم فيها عقابهم العادل .

لكن هذه الحالة تختلف عن ترك أو إخلاء سبيل أو توقيف واحد أو أكثر من المشتبه بهم ، وهو، على ما يبدو، موضوع الملاحقة التأدبية االتي أعلن عنها مكتب وزير العدل والتي قد لا تنتج عنها أبداً أحكام تأديبية ذات شأن أو يجوز الإعلان عنها .